حسين بن حمزة يضم كتاب «شعراء من العالم» (الدار العربية للعلوم) مقالات سبق للشاعر اللبناني عبده وازن أن نشرها في جريدة «الحياة». ولأن جمع مقالات متفرقة في كتاب يحتاج دوماً إلى تبرير مقنع للقارئ، فإن وازن يسارع في المقدمة القصيرة التي وضعها إلى القول إنّه لم يفكر يوماً في شيء مماثل، لولا أنّ الاحتفال ببيروت عاصمة عالمية للكتاب حرّضه «على توجيه تحية إلى هذه المدينة الموسومة بمآسيها كما بأفراحها، بحروبها كما بسلامها، بثقافتها وانفتاحها وحريتها». الواقع أنّ هذه التحية السريعة لا تحجب عنا الدور الذي اضطلعت به بيروت كعاصمة للنشر، وكحاضنة ومختبر لترجمات أساسية من لغات العالم وآدابه المختلفة.
ما قرأناه متفرقاً، وفي مناسبات مختلفة، يتجاور هنا في لحظة قراءة واحدة. تجاورها الحالي بين دفتي كتاب يمنحها زخماً وتأثيراً أقوى مما امتلكته تلك المقالات فرادى. لا يشعر القارئ بأي تفاوت وهو ينتقل من شاعر إلى آخر، إذْ تتكفل فكرة أنهم كتبوا أعمالهم بلغات أخرى، والجودة العالية لما أنجزوه، بوضعهم في فضاءٍ واحد.
يبدأ الكتاب بمقال عن ترجمة أخيرة أُنجزت عن اليونانية مباشرة لـ«إلياذة» هوميروس، وينتهي بمقال عن التجارب الجديدة في الشعر الفارسي الحديث. وبينهما تمرّ أسماء وتجارب أساسية في الشعر العالمي. من سافو إلى آنا أخماتوفا وأليخاندرا بيزاريك. من شكسبير وحافظ شيرازي إلى جياكومو ليوباردي ومالارميه ورامبو. من لوركا وألبرتي وناظم حكمت ونيرودا إلى بريخت ونيتشه وريلكه وتسيلان. من بوشكين وماياكوفسكي وميلوش إلى إيميه سيزير وماريو لوتسي وإليوت وألن غينسبرغ. من بورخيس وروبرتو خواروز إلى لوكينات باتشاريا ودينو كامبانا وبهاء الدين مجروح.
هكذا، يجد القارئ نفسه أمام عوالم وأمزجة ولغات شعرية مختلفة. كل اسم من الأسماء الـ34 يستدعي أسماءً أخرى لشعراء ونقّاد ومترجمين. أكثر المقالات مكتوب في مناسبة صدور ترجمات عربية لعدد من شعراء الكتاب، وأقلّها مكتوب في مناسبة صدور ترجمات فرنسية لعدد آخر منهم. قوة الكتاب متأتية من إحاطة عبده وازن

إحاطة بالزمن النقدي والثقافي الذي ينتمي إليه كل شاعر


بالزمن الشعري والنقدي والثقافي الذي ينتمي إليه شعراء كتابه، ومن سعيه الحثيث إلى تناول تجربة كل شاعر من زوايا متعددة، إضافة إلى تناوله للجهود التي بذلها المترجمون العرب في نقل آثار هؤلاء إلى لغة الضاد، ومقارنته للترجمات الحديثة بالأقدم منها. في بعض الحالات، يُذيّل وازن دراسته بترجمة مختارات شعرية تُقرن الكلام النظري بنماذج تطبيقية، وتُسهِّل علينا تكوين وجهة نظر متماسكة حيال ما يقدمه لنا. هكذا، نحصل على مادة خصبة ذات طبقات متعددة تجمع بين المعلومات التاريخية والمذاق النقدي المقارن والمنجزات الشعرية.
الكتاب، بهذا المعنى، يجعل المقالات تحظى بحياة أكثر ديمومة من الوقت الذي تستغرقه قراءتها في الجريدة، كذلك فإن محتوى هذه المقالات يستحق فعلاً أن تُجمع في كتاب. ثمة ذكاء ودراية في تقليب تجربة كل شاعر داخل حقبة زمنية وإبداعية كاملة، وعلاقة كل تجربة بالتجارب السابقة والمجايلة لها، إضافة إلى تقصّي أثر ذلك لدى تجارب شعرية عربية كلما كان ذلك متاحاً ملموساً، كما هي الحال في إشاراته إلى أثر ريتسوس ولوركا وإليوت ورامبو...