مركز بيروت للفنّ» يواصل رهانه على التجارب الجديدة. الليلة افتتاح طبعة ثانية من معرضه الجماعي الذي يحتضن أعمالاً بين الفيديو آرت والتجهيز والتصوير الفوتوغرافي والعرض الادائي
سناء الخوري
نجمة أفلام بورنو متنكّرة، وقرص حلزوني أخضر ضخم من طارد البعوض الفتاك «كاتول»... هذا بعض ما قد يقع عليه الجمهور في معرض «عتبات 2010» الذي يفتتح مساء اليوم في «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي/ بيروت). المركز الذي قدّم، منذ افتتاحه قبل عامين، إنتاجات مكرّسة في مختلف ميادين الفن المعاصر، يستقبل حالياً معرضاً جماعيّاً خاصاً بالتجارب الناشئة. «عتبات 2010» (Exposure 2010) الذي يستمرّ حتّى 23 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يقدّم لنا في طبعته الثانية أحد عشر فناناً وفنانة لبنانيين أو مقيمين في لبنان.
بين تصوير فوتوغرافي ورقمي، وتجهيز، وأفلام فيديو، وعروض أدائيّة، سيتحوّل فضاء الـ BAC الأبيض، إلى منبر لتجارب تفتقر غالباً إلى الدعم. الأعمال التي اختارتها لجنة ضمّت الفنان وليد صادق، والباحثة الفنيّة ميرين أرسانيوس، ومنظّمة المعارض زينب أوز، والناقد الزميل بيار أبي صعب ــ إضافة إلى لميا جريج وساندرا داغر المشرفتين على المركز ــ تخرج عن المعايير المتداولة في الصالات التقليديّة.
على الحدود بين الجنون والفكاهة، يحكي لنا إتيان دميان مثلاً سيرته، مشبوكةً بسيرة ممثلة أفلام إباحيّة شهيرة في «اسمي مونيكا سويتهارت» (2009 ــ فيديو/ ١٤ د). في «فيلمه القصير القذر» كما يصفه، يطرح دميان أسئلة الهويّة، والجندر، وجسد المرأة. الصورة المهزوزة تحيل إلى أشرطة الفيديو المنزليّة (Home movie). يتقمّص الفنان يتقمص دور نجمته المفضّلة، يرتدي ملابسها الداخليّة، مؤدياً تجارب «الكاستينغ» المفترضة لـ«مونيكا دميان». هذا المستوى من الجرأة في التجريب، كان المعيار الأساسي في اختيار الأعمال. «لا نريد أن ندّعي أن الأعمال المعروضة تلخّص مجمل المشهد الفني الناشئ حالياً»، تلفت ساندرا داغر. «جرى اختيار المشاركين بناءً على مستوى التجريب في المشروع المقترح».
الخروج عن المألوف، واختبار الأشكال والقوالب، والبعد المفهومي للعمل، من العناصر الأساسيّة التي تمثّل لغة الفن المعاصر. عناصر تبلغ مستويات متفاوتة في الأعمال المعروضة، وسط طغيان واضح للجراح الفرديّة. وإن كانت الذاتية تبلغ ذروتها في أدائيّة لين قديح، وفي تجهيز سلوى الصراف الفوتوغرافي، فهي تكاد تختفي فوق طبقات سميكة من البرودة والحياد في عملي حاتم الإمام وفارتان أفاكيان.
تواصل قديح الحفر في تيمتها الأثيرة البطل والبطل المضاد. في عملها «160 قدماً تحت سطح البحر الأزرق الصافي» (2010 ــ محاضرة أدائيّة/ فيديو، 34 د)، تشتغل على إعادة كتابة التواريخ الشخصيّة، في بحر مليء بالجثث (الثامنة مساء 29 و30/9 و7/10). وفي «مناظر معترَضة» (2008 ـــ 2010، 33 طبعة رقمية)، يقترح حاتم الإمام مفهوماً مغايراً للمشاهد الطبيعيّة. أخذ الفنان «السمندلي» الشاب لقطات مقربة للجدران، وما عليها من نشّ أو تعرجات طلاء، ليضعنا وجهاً لوجه أمام ما يشبه الصور الفرديّة لتلك النتوءات، في تجريد للمكان والوقت.
وفي ثلاثيته «ما لا يُصنع في الصين» (2009 ــ 2010، ثلاث صور مطبوعة رقميّاً، 150× 100 سنتم)، يلعب فارتان أفاكيان على قيمة بعض السلع الاستهلاكيّة في ارتباطها بسلوك وواقع اقتصادي. صوّر الفنان المتعدد الوسائط، ثلاثة منتجات من الصناعات الصينيّة حافظت على وجودها في السوق اللبنانية منذ الثمانينيات. إنّها علب مرتديلا الـ«مالينغ»، وفتيلة «الفراشة» المستعملة لإشعال المصابيح الغازيّة، وأقراص الـ«كاتول». أخذ لقطات تفصيليّة مضخّمة للسلع المذكورة، ثمّ أخرجها صوراً فوتوغرافيّة بجودة عالية. أهي رغبة في تحويل هذه الأشياء إلى أيقونات؟
في تجهيزها «غرافيس 127» (مستمرّ منذ 2008، نص، مجلات، عرض لشرائح)، تشتغل رنا حماده على أيقونة أخرى. مشروع الفنانة المقيمة في أمستردام، تجهيز تفاعلي، يرتكز على عدد من مجلة غرافيس صدر عام 1966، اخترقته طلقة خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. طلقة جعلت المجلّة المعطوبة رمزاً لخراب قديم. بحثت الفنانة عن الأعداد الأخرى التي لم تثقلها الحرب بهذه الرمزيّة، وضمتها إلى تجهيزها. راحت تسأل الجمهور عن تسميات مخترعة للمجلة، نقرأها مطبوعة على جدار الـBAC وبجانبها مصابيح كهربائية متدلية.
اللافت في «عتبات» 2010، ورغم تنوّع أدوات المشاركين، أنّ الخراب حاضر بقوّة، كخلفيّة أساسيّة. سوسن الصراف مثلاً، تحاول التخفف من مفاعيل الخراب الدائم في حياتها في عملها «اللاوزن والوزن» (ثلاثية طبعات رقميّة ــ ٢٠٠ × 90 سنتم). العمل هو الجزء الثاني من مشروعها «رحلة»، وفيه تحاول الفنانة البصرية العراقية التخلّص من ثقل المنفى. على ثلاث مراحل نراها تبعثر كدسات من الصور، ثمّ تعوم في فضاء الغرفة متحدية الجاذبية، لتنتهي بتوضيب كلّ تلك الصور المتناثرة، كأنّها حسمت علاقتها بالماضي أخيراً.
من جهته، يختبر بول الحاج بطرس في «حيرةٌ هذه الأيام» (2009 ــ 2010، فيديو، ١٥ د) معانٍ عبثيّة للخراب، أو التخريب. على شاشة مائلة، يبدأ الفيديو من صورة رمانة تشبه لوحات الطبيعة الميتة، قبل أن يدخل العنصر البشري لتقطيع الفاكهة. الصورة البطيئة تدخلنا في حلقة مفرغة من الحركات المتكررة، السيزيفيّة، في مساءلة لدور الإنسان كفاعل أو مخرّب في أحد أكثر أفعاله بديهيّة.

الخراب حاضر بقوّة في خلفيّة الأعمال على تنوّع أدواتها
أمّا «الخراب النهائي» أو «الخراب في مركز الكون» فيقدّمه فادي العبدالله في «إيقاع الفتنة» (2010، صوت ونص). نص وتسجيل، يستعيد فيهما حفلة «سوب كيلز» عام 1999 التي قطعها تدمير معمل الكهرباء، في صوتيّة يليها نصّ «لفظ فخم» (من ديوان العبدالله «يؤلفنا الافتتان»)، بأداء ياسمين حمدان ووليد صادق.
أسئلة ثقيلة يخلّفها شريط يوسف نعمي «تحت ظلال الخشية» (2009؛ فيديو ــ 7 د). العمل لقطات من مشوار في بلدة لبنانية جنوبية مجهولة، ومقابلة مع رجل يروي تجربته خلال حرب تموز. يتجرّد الفيديو من أي بعد سياسي، فهو مساءلة لعلاقة الكاميرا بالذاكرة، يعززها تجهيل المكان والأفراد.
على العكس من ذلك، يخوض زياد جوزف الحاج تجربة توثيقيّة بين السياسي والاجتماعي في «على خطى ميشال سورا» (٢٠٠٩ ــ ٣٥ صورة مطبوعة على ورق، مقاسات مختلفة)يرصد تحولات باب التبانة في ضاحية مدينة طرابلس الشمالية، متعقباً دراسة مرجعيّة لهذا الحي أجراها عالم الاجتماع الفرنسي الراحل. المنطقة الفقيرة لم تتغير بعد ثلاثين عاماً على زيارة سورا لها، كل شيء في مكانه، على هامش الحداثة، وصور أبو عربي (خليل عكاوي) تملأ الأزقّة الضيّقة.
أما شربل جوزف حاج بطرس، فيصنع عرضاً ــ عقبة في «معرض مفتوح» (2009 ــ ٤ صور مطبوعة رقميّاً ــ ٦٣ × ٨٤ سنتم). سدّ الفنان باب الغرفة رقم 40 في فندق العامرية المهجور في بكفيا، وعزلها عن هيكل المبنى لتصير كوناً قائماً على حدة. عالم موجود لكن غير مرئي، يشبّهه الفنان بالمقابر الجماعيّة، أو بمتاهات الديموقراطيّة الحديثة.

الافتتاح: 6:00 مساء اليوم، ويستمرّ المعرض حتّى 13 تشرين الثاني (أكتوبر) ــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي/ بيروت). للاستعلام: 01/397018


نعم لدعم الثقافة