لم يكد المشاهد يهنأ بالتهدئة الإعلامية التي سادت الشاشات المحلية في الفترة الأخيرة، حتى أعادته الأحداث الأخيرة إلى المرحلة التي تلت اغتيال رفيق الحريري عام 2005. وكما كان متوقعاً، كانت المواجهة الأبرز بين «المنار»، و«أخبار المستقبل»
ليال حداد
صدق النائب محمد رعد حين وصف ما يحصل في لبنان بـ«حفلة الجنون». لكن هذا «الجنون» لم تقف حدوده عند التصاريح السياسية المتوترة، ولا التحريض المذهبي الذي تبرّع بعض السياسيين بالترويج له، بل انتقل بسرعة قياسية ــــ كما كان متوقعاً ــــ إلى شاشات التلفزيون. إذاً في ساعات قليلة، خلعت الشاشات المحلية ثوب «السلم الأهلي» وعادت إلى الخطاب الذي كان مسيطراً بعد عام 2005. ولكن مع فارق بسيط: هذه المرة لا اتهامات مباشرة لسوريا بحماية «السلاح غير الشرعي»، أو «تقويض مسيرة الاستقلال في لبنان»، بل تصويب مباشر على «حزب الله»، واللواء جميل السيّد من جهة، واستهداف لـ«مفبركي شهود الزور» من جهة أخرى.
مقدّمات إخبارية نارية، وبرامج حوارية تحريضية، وتقارير خاصة أقلّ ما يقال عنها إنها تشبه تلك التي كانت تبثها التلفزيونات في الأيام الأولى التي تلت أحداث السابع من أيار (مايو) 2008. طبعاً إلى جانب مجموعة من «الأخبار العاجلة والحصرية» التي تعرضها كل قناة نقلاً عن «مصادرها الخاصة» ليتّضح لاحقاً أنها لم تكن سوى بالونات إعلامية.
ولا شكّ في أن المعركة الإعلامية الأبرز تدور بين قناتَي «أخبار المستقبل» (تساندها بطريقة مباشرة mtv)، و«المنار» (وإلى جانبها حليفتها الأولى OTV).
هكذا، أطلّت علينا «المنار» في الأيام القليلة الماضية بمقدمات إخبارية هجومية، لم يسلم منها القاضي سعيد ميرزا، ولا اللواء أشرف ريفي، ولا سعد الحريري نفسه. لتردّ عليها «أخبار المستقبل» سريعاً. والحقّ يقال، فإنّ هذه الأخيرة بدت أكثر ابتكاراً من «المنار»، وعرفت كيف تقود لعبة التحريض بطريقة مدروسة، فخصّصت لوغو ثابتاً هو «محاولة الانقلاب» في أسفل شاشتها، وكان يظهر مع كلّ تقرير إخباري. وإلى جانب «محاولة الانقلاب»، تمرّ صور جميل السيّد، ومحمد رعد (لا السيّد حسن نصر الله)، والعماد ميشال عون، ووئام وهاب...
وإن كانت «أخبار المستقبل» رأت في مقدّمة نشرتها أول من أمس الأحد أنّ «الناس مذهولون من إشهار «حزب الله» سلاح المقاومة حمايةً لجميل السيد، غير عابئ بقداسة هذا السلاح وتعهده بعدم الزج به في خصومات سياسية داخلية، فبأسلحتهم خرجوا إلى الضوء لنصرة جميل السيد ولإدخاله في جنة اللادولة واللامؤسسات»، فإنّ «المنار» (طبعاً) لم تجد في هذا السلاح ما يستدعي التعجّب. رأت القناة أن ما «أصاب المواطنين بالهلع» كان «خروج بعض مناصري تيار «المستقبل» في طرابلس حاملين أسلحتهم لاستقبال اللواء أشرف ريفي»!
وبين سلاح «حزب الله» وسلاح «المستقبل»، تبرّعت OTV وmtv بشحن المشاهدين بجرعات إضافية من التعبئة. الشاشة البرتقالية اختارت استغلال «حفلة الجنون» لاستكمال حربها على رئيس الحكومة الغائب عن البلاد، فطلبت ممن «يعرف مكانه أن يعلمه أن بلده الذي يترأس حكومته بات على قاب قوسين أو أدنى من الفتنة». أما mtv التي لم تتردّد في الأسابيع الماضية، وفي إطار إحيائها لذكرى اغتيال بشير الجميّل، من استحضار لغة الحرب الأهلية والشحن الطائفي، وجدت في السجال السياسي الدائر حالياً فرصة مناسبة لاستهداف «حزب الله» الذي «يواصل حركة عصيانه، منعاً لتنفيذ القانون».
مرة جديدة إذاً، يسقط الإعلام في فخّ السياسة، ويعود ملف العلاقة الإشكالية بين التلفزيونات المحلية والأحزاب الللبنانية إلى الواجهة. وهي الدوامة التي لا يبدو أنها تزعج المشرفين على نشرات الأخبار، وخصوصاً في «أخبار المستقبل»، و«المنار». «نحن جزء من خطّ سياسي لا ننكره» يقول رئيس تحرير نشرة الأخبار

تبرّعت قناتا OTV وmtv بشحن المشاهدين بجرعات إضافية من التعبئة
في «أخبار المستقبل» عماد عاصي. ويرفض هذا الأخير تحميل الإعلام مسؤولية تهدئة الأوضاع في البلاد «في النتيجة مهمّتنا هي نقل ما يجري على أرض الواقع، ومهمة تهدئة الخواطر تقع على عاتق السياسيين والسلطة القضائية والأمنية». كما ينفي عاصي أن تكون «أخبار المستقبل» قد عملت على تحريض المشاهدين أو تعبئتهم، بل يؤكد أنها نقلت «الواقع كما هو، نحن لم نخترع صورة المسلّحين الذين استباحوا حرمة المطار، بل نقلناها على الهواء». لا يختلف مدير العلاقات العامة في «المنار» إبراهيم فرحات في رأيه مع ما قاله عاصي، بل يؤكد أن الإعلام ينقل الخطاب السياسي المتوتر. ويرفض فرحات كل الاتهامات الموجّهة إلى «المنار» بالتحريض، فيقول إن القناة «تلتزم معايير مهنية لم تتخطّها، بل إن قنوات أخرى هي التي دخلت في هذه اللعبة من خلال ابتكار أخبار غير حقيقية وتلفيقها». وكدليل على مهنية «المنار»، يقول إن الشاشة لم تبرمج حملات دعائية ضدّ أي طرف سياسي، «بل اكتفت بنقل الواقع».


تشاؤل

بدا «تلفزيون لبنان» في نشراته الإخبارية الأكثر تفاؤلاً بتحّسن الأوضاع السياسية. وبشّرتنا مقدّمة أوّل من أمس أن «السجال الداخلي المتصاعد ذاهب إلى معالجة هادئة في الثلاثاء الوزاري في القصر الجمهوري... والحكومة سوف تتلقف كرة السجال لتتولى المعالجة بعيداً عن الضوضاء». أما الأكثر تشاؤماً (وواقعية) فكانت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» التي قالت «إن كل الأخبار السياسية لا تدعو إلى التفاؤل والارتياح، فالحرب السياسية والإعلامية... بلغت مرحلة غير مسبوقة من التوصيفات تذكر بالتوصيفات التي استخدمت في مرحلة 7 أيار».