إنها سابقة في العالم العربي، أن تلجأ دار نشر مرموقة إلى مقاضاة مدوّنة بتهمة القدح والذمّ. الخلاف بين المترجمة المصريّة هالة صلاح الدين، و«دار الشروق» مثال عن التخبّط القضائي في التعاطي مع المدوّنات
القاهرة ــ محمد خير
كل شيء ممكن في العالم العربي. لذا، ليس غريباً أنّ «دار الشروق» التي كانت أول من تحمّس لتبنّي أدب المدوّنات، من خلال تحويل بعض أشهرها إلى كتب حقّقت مبيعات عالية، هي نفسها التي تدخل التاريخ كصاحبة أوّل دعوى قضائية تقيمها دار نشر ضد كلام منشور في مدونة.
والأغرب أنّ الدعوى ليست مقامة ضد صاحب المدونة، أو ضد أحد ممّن تركوا تعليقاتهم على صفحتها، بل ضد طرف ثالث هو المترجمة هالة صلاح الدين، مؤسسة مجلة «البوتقة» الإلكترونية المعنية بترجمة آداب اللغة الإنكليزية. بدأت القضية قبل عام، على أثر نزاع قانوني بين هالة و«دار الشروق». حينها، وصف الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة صاحب مدونة «هندة»، الناشرين العرب بأنّهم «غير محترمين»، ما عدّته «الشروق» ذماً وقدحاً في حقها، فرفعت دعوى قضائية ليس ضد العيسة «المقيم خارج مصر»، بل ضد المترجمة هالة صلاح الدين!
وعلى عكس أجهزة الأمن المصرية التي قلّما حاكمت المدونين ممن اكتفوا بتدويناتهم، ولم يشاركوا في تظاهرات الشارع، فإن «دار الشروق» لم تُقم دعواها القضائية في لحظة غضب، أو بتصرف تلقائي من فرعها القانوني، بل عن عمد وإصرار. في صيف العام الماضي 2009، تقدم الناشر إبراهيم المعلم صاحب «دار الشروق»، والرئيس السابق لـ«اتحاد الناشرين العرب»، ببلاغ إلى مخفر شرطة مدينة طنطا، حيث محل إقامة المترجمة، يتّهمها فيه بسبّه وقذفه، فور إصدارها بياناً تتهم فيه الدار بانتهاك حقوقها كمترجمة لكتاب «أملي في السلام» الذي كتبته جيهان السادات، وترجمته هالة من دون عقد رسمي بينها وبين «الشروق».
الدار المذكورة لم توجّه دعوة إلى هالة صلاح الدين لحضور حفلة إصدار الكتاب، وهي حفلة حظيت بتغطية إعلامية واسعة. على أثر ذلك، أصدرت المترجمة الشابة (1978) بياناً شديد اللهجة (راجع ص. 17). ووجّهت كلامها إلى الناشر قائلة «يمكنكَ الاحتفاظ بنسخي من الكتاب الذي لم أره بعد. سعيدة أن عقداً لا يربطني بهذا الكتاب، ومع ذلك أحذّر وبشدة من إصدار طبعة ثانية منه أو إلحاق اسم آخر بنصي المترجَم». وفي تصريحات صحافية لاحقة لصحيفتي «أخبار الأدب» و«الأهرام المسائي»، كشفت المترجمة عن أبعاد أخرى من المشكلة، منها عدم رضاها عن طريقة كتابة اسمها على الكتاب، فضلاً عن ارتباك في موعد تسليم الكتاب «الذي صدر وعليه اسمي مع أن الخمسين صفحة الأخيرة ليست من ترجمتي ولست راضية عنها».
وعلى الرغم من شدة لهجة بيان المترجمة، فإنّ نيابة طنطا لم تجد فيه ما يتضمّن السب والقذف بالتعريف القانوني، فحفظت البلاغ. فما كان من الناشر المعروف إلا أن أعاد فتح القضية ذاتها مجدداً قبل أسابيع، مستعيناً مرةً أخرى بالبيان، وبعبارة المدون الفلسطيني المتضامن مع المترجمة. هكذا، قدّم المعلم تظلّماً إلى النيابة ذاتها يطالب فيه بفتح باب الدعوى القضائية.
ومن المعروف أن الحبس ألغي من معظم حالات السب والقذف في قضايا النشر في القانون المصري، لكنّ المشرِّع توسّع في الغرامات، ما يعني أن حكماً لمصلحة «الشروق» قد يحمّل المترجمة مبالغ تصل إلى عشرات آلاف الجنيهات طبقاً للقانون. ومن سخرية القدر أن مجلة «البوتقة» التي تديرها هالة صلاح الدين، تصدر بصفة غير دورية لإصرار صاحبتها على امتلاك حقوق النشر القانونية من أصحاب القصص المترجمة. كما تعتمد المجلة على التمويل الذاتي والمنح الثقافية، وآخرها منحة «الصندوق العربي للثقافة والفنون» الذي موّل العدد الأخير (26) الصادر في تموز (يوليو) الماضي.
ولا شكّ في أن الدعوى القضائية التي أقامتها «الشروق» تضيف بعداً جديداً إلى أزمة حق التعبير في العالم العربي. مع انتشار ظاهرة التدوين قبل أعوام، سارعت بعض الدول العربية إلى إجراء تعديلات تشريعية لتقييد تلك الظاهرة «الخطيرة»، وإلحاقها بأخواتها من الصحف الورقية ووسائل الإعلام المتعددة في سجن مواد الحبس والغرامة. أما الدول العربية الأخرى التي لم تجر تعديلات تشريعية، فلأنّها لا تحتاج عادة إلى ذرائع قانونية لممارسة القمع... لكنّ دعوى «الشروق» تُعدّ سابقة في محاولة محاكمة شخص ما على ما ورد في مدوّنة لا علاقة له بها أساساً... ولا يقع في دائرتها قانونياً ولا حتى جغرافياً. ومهما كانت نتيجة الدعوى القضائية، فإن عدداً كبيراً من الكتّاب والمثقفين في مصر والعالم العربي، يرى أن مجرد استخدام دار نشر لقوانين السبّ والقذف، خطوة من شأنها أن تسيء إلى الحرية والنشر في آن واحد.

لقد تم تعديل هذا المقال عن نسخته الأصلية يوم الاربعاء ٨ أيلول ٢٠١٠