strong>وائل عبد الفتاح هارب هذه المرة إلى منطقة مجهولة، تخيّلته عندما سمعت الخبر: «غاب بعد صراع قصير مع المرض». اختار إذاً أرضاً جديدة لمغامرة مصورة، يستنسخ فيها الصور القديمة، يبث فيها حياةً من خيال. مراوغ للثبات والنمطية، «أسطى» يعلم الدروس لكنّه أول من ينساها. مثل بطل طفولته «زوزو»، اتخذ من المغامرة متعةً وأسلوب حياة. المعارك التي خسرها كثيرة. لكنّه كان يخرج بإنجازات عبر تحرير الخيال من العبودية على أشكالها.
ساحر قديم، يلجأون إليه طلباً للحكمة والتمائم، ينقلب مرشداً إلى طرق الحواس المغلقة. يثير القلق في وقت يطالب فيه بنشر الطمأنينة. هذه رسالته الناقصة دوماً. يصنع من فشله طريقاًَ لمتعة جديدة، ويبني مدن كرتون يهدمها في الصباح التالي. ولد عام ١٩٤٠ في حي مصري، عندما كانت القاهرة في عز حلمها الأوروبي، قلقة بين عالمين، تبحث عن محطة، وتقاوم غواية. ذبذبات القلق انتقلت إلى اللباد الذي يبدو خارجاً من الأساطير، عملاقاً قادماً من زمن مختلف. غريب. غربته ليست من البعد، بل في ولع الاقتراب.
كتب الأطفال كانت تناديه ليس إلى الحدوتة العادية، بل إلى حكاية في شكل الصفحات لم يعرف سرّها إلا عندما كبر، وأصبح أهمّ صانع للكتب في الثقافة العربية. خائن أحلام العائلة، قفز في طريق مجهول يقتفي صورة الزمن في طوابع البريد والتمغة المصرية، تذكرة الأوتوبيس، إعلان سجائر... كل ما يحفر علامة في الذاكرة العمومية. طقوس الغواية قادته إلى الكاريكاتور، وحكايات مصورة. أصدر كتباً تفك طلاسم غوايته، اختار لها اسم «نظر» بما تحويه من وصف للحاسة، ومقياس للمعرفة التي تنتجها الحاسة في لحظتها. خبير كان بملامس هذه الطزاجة التي تفاجئك بين طيّات كتاب، أو على سطح صفحة. إذا رأيتها مقطوعةً، ضائعةً، ستعرف صاحبها الهارب الآن في مغامرة لم تكن ضمن أحلامه المؤجّلة.