روبرت موردوخ عينه على «نيويورك تايمز» وناشرها يؤكّد أنها ليست للبيع. المواجهة بلغت ذروتها، على صفحات الجرائد، حيث كل طرف يحاول أن يسدد ضربة قاضية إلى خصمه اللدود
صباح أيوب
كما في مسلسلات الدراما الأميركية التي تحكي صراع عائلتين نافذتين على امتلاك شركة رابحة بأي ثمن، هكذا تبدو اليوم المعركة بين عملاقي الإعلام روبرت موردوخ وناشر صحيفة «نيويورك تايمز» أرثر سالزبرغر. «نيويورك تايمز» هي «الحسناء» التي يسعى «الوحش» موردوخ إلى تملّكها منذ عامين. وما عُدّ عام 2008 مجرّد تسريبات صحافية عن «نيّة» صاحب «نيوز كورب» شراء الصحيفة النيويوركية الأشهر، بات اليوم واقعاً تُطبخ مراحله في نيويورك وتضجّ به الساحة الإعلامية العالمية.
معركة حامية أبطالها «معلّمون» في المهنة. والسلاح غلاف مثير للجدل، أو إعلان لافت، أو صورة فاضحة، أو تحقيقات مشوّقة تكشف مساوئ الخصم. والميدان صفحات إحدى أكثر الجرائد المقروءة في الولايات المتحدة. منذ نهاية 2008، شُغلت المؤسسات الإعلامية بأزمتها المالية، وأمضى موردوخ عام 2009 يحصي خسائره و... يراقب خسائر «نيويورك تايمز»، آملاً أن تهرع إليه للمساعدة، فيأتي على حصان أبيض لينقذها! لكن هذا لم يحدث. وبقيت إحدى رغبات حوت الإعلام الأوسترالي غير مشبعة، وخصوصاً أن الحسناء النيويوركية وجدت منقذاً لها لا يدعى روبرت بل كارلوس، فانتشلها الملياردير المكسيكي كارلوس سليم من الأزمة.
موردوخ (79 عاماً) قرر الانتقام، وسالزبرغر (59 عاماً) قبل الحرب! في صباح 27 آذار (مارس) 2010، استفاق الأميركيون على عدد من جريدة «وول ستريت جورنال»، حيث خُصص غلاف ملحق نهاية الأسبوع لموضوع «النساء يفضّلن الرجال ذوي الملامح الأنثوية». لماذا أغضب هذا العدد ناشر الـ«نيويورك تايمز» وعُدّ الشرارة التي أشعلت الحرب؟ المشكلة أن الغلاف الذي نشر بورتريهات لرجال بملامح نسائية تضمّن صورة لأجزاء من وجه سالزبرغر! ذقن وفم صاحب الـ«تايمز» هما في نظر مطبوعة موردوخ أنثويان، والمليونا قارئ أميركي شاهدوا ذلك في صباح آذاري من هذا العام.
افتتح موردوخ الحرب على خصمه بضربة شخصية ومباشرة، ما أثار حنق سالزبرغر الذي طلب من مدير تحرير «وول ستريت جورنال» روبرت تومسون أن ينشر توضيحاً للأمر، لكنّ الجواب كان «هذه ليست صورتك ونحن لا ننشر توضيحات»! تومسون استغرب في مقابلات لاحقة الأبعاد التي اتخذتها الصورة في الإعلام. لكنّ صحافيين مقرّبين من موردوخ وتومسون يقولون إنّ الثنائي يتناولان سالزبرغر دائماً في نكاتهم الخاصة، ويقولان إنّه «مخنّث». وبعد أسابيع، وجّه موردوخ ضربته الثانية، إذ أصدرت «وول ستريت جورنال» ملحقاً خاصاً بولاية نيويورك لا يقتصر على الأخبار المالية والاقتصادية، بل يتضمن صفحات منوّعة عن المدينة بهدف منافسة «نيويورك تايمز» و«لتكون ضربة قاضية لصحيفة سالزبرغر» كما قال المشرفون عليها. ردّ «التايمز» كان مهنياً ونفسياً، إذ سارعت الصحيفة إلى إطلاق حملة إعلانية شعارها Not just Wall Street. Every street بما معناه «لا نغطي أخبار شارع وول ستريت فقط بل أخبار كل الشوارع». لاقى الإعلان نجاحاً، وخصوصاً أنّه كان موجّهاً علناً ضد صحيفة «محلية» أخرى!
لكنّ الجريدة الأولى من حيث التوزيع استوحت من حيل موردوخ أخرى مبتكرة. لم يكن منها سوى سرقة شعار إعلان «نيويورك تايمز» الجديد ـــــ والموجّه ضدها ـــــ واعتمدته إعلاناً لملحقها الخاص بنيويورك! ذُهل الجميع مما فعلته «وول ستريت جورنال» وجُنّ جنون «نيويورك تايمز»، فأرسلت إنذاراً لـ«وول ستريت جورنال» معتبرة أن الشعار الإعلاني «ماركة مسجلة» باسمها لا يحق لأحد اعتماده، وهدّدت باللجوء إلى القضاء.

فنّدت «نيويورك تايمز» التهم الموجهة إلى صحف موردوخ في بريطانيا
ومنذ حزيران (يونيو) الماضي، عاش الخصمان هدنةً غير معلنة استمرت حتى أوائل الشهر الحالي. في الأول من أيلول (سبتمبر)، نشرت «نيويورك تايمز» تحقيقاً ً عن الفضائح المهنية التي تطال المنشورات البريطانية التي يملكها روبرت موردوخ من الـ«صن» إلى «نيوز أوف ذي وورلد». وفنّدت الصحيفة الأميركية التهم الموجهة إلى تلك الصحف الصفراء وآخرها من العائلة المالكة! إذ يتهم صحافيّو تلك المطبوعات الفضائحية الشهيرة بقرصنة هواتف الأميرين ويليم وهاري ونشر أخبارهما الخاصة. تحقيق الـ«تايمز» المبكّل استعان بمحاضر تحقيقات «سكوتلاند يارد»، ونبش من المحاكم البريطانية كل التهم المقامة ضد المنشورات التي تعود ملكيتها إلى مؤسسات موردوخ! «احصلوا على الفضائح بأي طريقة»، هكذا يعمّم مديرو التحرير في تلك المطبوعات على صحافييهم، كما نقلت «نيويورك تايمز». كذلك ركّز التحقيق على علاقة موردوخ بالسلطة الحاكمة في بريطانيا مهما كانت توجهاتها السياسية، فهو يتملّقها ويضمن حمايتها، وهي تتّقي شرّه وشرّ فضائحه! ألم يكن موردوخ من بين الضيوف الأوائل الذين استقبلهم رئيس الوزراء البريطاني جايمس كاميرون بعد أيام من تسلّمه الحكم؟


الحرب مستمرّة

واجهت مجلة «فانيتي فير» الأميركية، الأسبوع الماضي، الأعداء! تنقّلت مراسلة المجلة بين خطوط التماس وتحدثت إلى الجهتين. جوّ المقابلة دلّ على استمرار المعارك. أرثر سالزبرغر (الصورة) أكّد أن الحملة التي يشنّها موردوخ على «نيويورك تايمز» لم تؤثر في القرّاء ولا في المعلنين، مشيراً إلى أن جريدته «لا تسعى لتحتل المرتبة الأولى في المبيعات (كما وول ستريت جورنال) بل إلى أن تكون رائدة في صناعة الرأي». على الجبهة «الموردوخية»، تحدّث أحد مديري «وول ستريت جورنال» عن «عنجهية» «نيويورك تايمز» وكيف يعدّها الأميركيون «منزلة من عند الله»!