ملحمة جيل الألفية الثالثة من منظار دايفيد فينشر
زياد عبد الله
من «نادي القتال» وخطط تايلر ديردن (براد بيت) التدميرية عام 1999، ينتقل دايفيد فينشر (1962) إلى نوادي «جامعة هارفرد» الراقية والمقفلة بوجه «العامّة». في جديده «الشبكة الاجتماعية» The Social Network، يطرح السينمائي الأميركي السؤال الآتي: كيف لك أن تجمع 500 مليون صديق من دون أن تكسب بعض الأعداء؟ السؤال موجّه إلى مارك زكربرغ، مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الشهير «فايسبوك». الشريط الذي وصل إلى الصالات اللبنانية، يدقّ باب جوائز الأوسكار بقوّة. يأخذ فينشر سؤال الفيلم إلى ما يتخطّى حدود العالم الافتراضي، وأبعد من تلك «الشفافية الراديكالية» التي يبشّر بها زكربرغ. نعود مع هذا البطل المضاد إلى خريف عام 2003، لنجده كائناً غير اجتماعي، نجح في ابتكار أهم وسيلة للتفاعل الاجتماعي، بعدما هجرته حبيبته. يكتسب مئات ملايين الأصدقاء الافتراضيين حول العالم في فترة قصيرة، لكنّه يفشل في الحفاظ على صداقة حقيقية واحدةيُطبِق فينشر على زكربرغ. يحكي قصّته وفق إيقاع أفلامه المميز، معتمداً على سيناريو محكم اقتبسه أرون سوركن من كتاب بن مزريك «ملياردير المصادفة» (2009). يعود السينمائي الأميركي مجدداً إلى قلب الراهن، بعيداً عن القتل المتسلسل في «زودياك» (2007)، وعن عقارب الساعة المعكوسة في «الحالة الغريبة لبنجامن باتون» (2008).
«الشبكة الاجتماعية» أقرب إلى عالم «نادي القتال»، ذاك الفيلم الذي دخل فيه إلى قلب المتمرِّد المعولم. لكنّ الفصام هنا ليس بفصام شخصية تايلر ديردن (براد بيت)، بل فصامٌ افتراضي، يجعل من الإنترنت فصام زكربرغ الأثير، وأداته لخرق الاجتماعي، من خلال تعزيز العزلة.
يقودنا الفيلم إلى كواليس «فايسبوك»، مالئ الدنيا وشاغل الناس. يبني فينشر منذ البداية اتفاقه مع المشاهدين، بوضعهم وجهاً لوجه أمام مارك زكربرغ (جيسي أيزنبيرغ) في حوار طويل مع إيريكا (روني مارا). حوار ينتهي بهجران إيريكا لمارك. كأنّ الشريط يقول لنا إنّ الشعور بالنقص هو الذي سيقود زكربرغ إلى الخلق. مشروع «فايسبوك» يبدأ من فشل، ومن علاقة غرامية متعثِّرة، من إيريكا التي تقول لزكربرغ: «ستكون رجل كمبيوتر ناجحاً، لكنّك ستمضي حياتك وأنت تظنّ أن النساء لا يعجبن بك لأنك ذكي جداً. لكن أريدك أن تعرف من أعماق قلبي أن ذلك غير صحيح. لن يعجبن بك لأنك سافل». استفزاز يردّ عليه زكربرغ في الليلة نفسها على مدوّنته، فيكتب «إيريكا أولبرايت ساقطة». وسيواصل انتقامه بواسطة الإنترنت، ويستعمل مهاراته في القرصنة للسطو على صور جميع زميلاته في «هارفرد»، ويؤسس موقع «فايس ماش». الموقع عبارة عن لعبة تقوم على تتابع لا ينتهي من الصور. مع كلّ كبسة زر تظهر صورة فتاتين، وعلى المتصفّح أن يختار الأجمل بينهما. في ليلة واحدة، يزور الموقع 22 ألف متصفّحاً... وتكون تلك النواة الأولى لإنشاء شبكة «فايسبوك».

سيناريو محكم اقتبسه أرون سوركن من كتاب بن مزريك «ملياردير المصادفة»
نتعرّف إلى زكربرغ كسافل جميل. يصنع كل ما يريده بهدوء. يستثمر الآخرين ثم يرمي بهم، من دون أن يشعرنا الفيلم بأنّه فعل ذلك صراحةً وعمداً. يفعل كلّ ذلك بخفة القرصان Hacker وأخلاقياته. الوجهة التي قدّم من خلالها فينشر الأحداث، مواربة، تحتمل التصديق والتكذيب. هل كان زكربرغ وراء المقال الذي يتهم صديقه إدواردو بسوء معاملة الحيوانات، بسبب إطعامه لحم دجاج؟ ما نعرفه أنّ زكربرغ كان يحسد إدواردو بسبب انتسابه إلى «الفينيق»، أحد نوادي «هارفرد» المغلقة. وهل كان وراء كشف تورّط شريكه الجديد شون باركر (جاستين تمبرليك) بالمخدرات؟ نرى الشرطة تنقض على باركر أثناء احتفاله بوصول عدد مشتركي الـ«فايسبوك» إلى مليون. فهل استثمر زوكربرغ قدرات باركر التسويقية، ثمّ نحّاه جانباً عند شعوره بسطوته؟ كل ذلك سنعرفه تلميحاً أو خطفاً.
ما يبدو في الفيلم خطاً سردياً أفقياً، هو استعادة للأحداث، ولمغامرة إطلاق «فايسبوك» عام 2004. ندخل إلى ذلك البلاط الروماني من خلال نزاعين قضائيّين: النزاع الأول جمع زكربرغ بالتوأم وينكلفوس ودايفد نارندرا اللذين ادّعيا أنهما صاحبا فكرة «فايسبوك». وبعدما اقترحا عليه برمجة مشروع «هارفرد كونكشن»، اختفى، وأنشأ «فايسبوك» متّبعاً المبدأ ذاته. ودفاعاً عن حقه في ملكية موقع التواصل الاجتماعي الأول في العالم، يُسمعنا فينشر ردّاً لاذعاً من زكربرغ: «من قال إنّ من يصنع كرسياً جميلاً يكون مديناً بالمال لكل من صنع كرسياً». أمّا النزاع الثاني فيجمعه بإدواردو، صديقه الوحيد، ورفيق خطواته الأولى ومموّلها. الحوار مفصلي في الفيلم، ومعبر كامل نحو الشخصيات. حوار يضيء درب أصغر ملياردير في العالم، مع ما تمليه كتابة تاريخ الأفكار الصغيرة، ومسارها، والاستقبال المدهش الذي تحظى به. في «الشبكة الاجتماعية»، يقدّم فينشر فيلماً عن «فايسبوك» ومؤسسه، لكنه بالتأكيد فيلم عن جيل بأكمله. شريط يرصد انطلاقة أحد «الأنبياء الجدد»، المبشرين بعالم افتراضي، أصبح أشد وقعاً وحضوراً من الواقع.


The Social Network: «سينما سيتي» ( 01/899993)، «أمبير دون» (01/792123)، «إسباس» (09/212516)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «أمبير سوديكو» (01/616707)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)