حسين بن حمزةفي مجموعته «أسمدة تليها حالات» (الغاوون)، وهي الثانية له بعد «بالصدفة نثر الفصول» (2009)، لا يكترث الشاعر المغربي إحساين بنزبير (1967) بالذائقة المسبقة أو التعاليم المتعارف عليها. يريد كتابة قصيدة جامحة، شعثاء الشعر، وبثياب غير أنيقة. لا أحد يقف ضدّ سعي كهذا، لكن هل الرغبة في النشاز تكفي وحدها لامتلاك نبرة شعرية مقنعة، وقادرة على إمتاع القارئ المستعد (والمتواطئ) لاستقبال أي جديد؟ هل مخالفة ما هو شائع تتحقق حالما نفسد هندام القصيدة أو نلعب بتسلسلها اللغوي؟ الواقع أن قصائد إحساين بنزبير مشغولة أكثر من اللازم بالتنظير والبحث عن حالة شعرية لا يكون الشاعر فيها «باراً بأبوّة قديمة وتافهة». هكذا، يصبح الشعر كلاماً عن الشعر، وتصبح القصيدة ساحة إعلانات عن الضجر من «التعاليم» و«الخضوع» و«التهذيب». في الأثناء، يردد الشاعر: «أكره أن أكون بغلاً شعرياً»، أو يكتب شيئاً عن «محنة النثر/ حين يصير شعراً/ في جزيرة اللسان»، أو يسخر من «سعادة الوضوح». بطريقة ما، نحسّ أن الضجر من المتداول يُلهي الشاعر عن إنجاز البديل الذي يبحث عنه.

قصائد مشغولة بالتنظير والبحث عن حالة شعرية

تضمّ المجموعة قصائد مكتوبة وفق تقطيع سطري، وأخرى وفق كتلة نثرية منجزة بسطور كاملة. في الحالتين، يحضر الشعر مع بيانات شخصية عالقة به. البيانات تترافق مع مزاجٍ مؤاتٍ لسرد آلامٍ وعزلاتٍ وصعلكة لا شفاء منها. لا نيّة لدى الشاعر لكتابة شعرٍ صافٍ. قد يكتب صوراً ومقاطع خاضعة لمنطق واضح، كأن يقول: «لا وقت لدي/ للسهر قرب كتاب/ أو امرأة/ الكتاب ثقيل بأفكاره/ المرأة ثقيلة بشخيرها»، أو: «كأن صوت القدم/ في دروب خالية/ يكتب رواية الثلج والحصى». ولكن، أليس هذا هو الشعر الخاضع الذي يهجوه الشاعر في ديوانه؟ كأنّ بنزبير يضبط نفسه، فيسارع إلى كتابة مقاطع أخرى يظنّ أن السياقات المنطقية تتحطم فيها، حيث تتضخم الأفكار على حساب الشعر: «الزكام حالة فيزيولوجية غريبة. لما الأنف يسيل غير عابئ بما يجري فيك من يباب. واليبس الذي يتربص الكلمات، يجعل منك مزكوماً لغوياً. الزكام إذاً حالة نحوية، تشكيلية، عرضية... إلى آخر اللائحة. في الزكام خصوصية: الأنف والمناخير». هكذا، يتخبّط الشاعر بين ما يحاول التخلي عنه، وما يسعى إلى تبنّيه. هل التخبّط هو بداية العثور على صوتٍ حقيقي، أم أنه تخبط فقط؟ فلننتظر.