سناء الخوري
طواويس وأحصنة مجنّحة برؤوس آدمية، وملائكة، ومخلوقات من الجحيم، سكنت معرض شذا شرف الدين (الصورة) «الكوميديا الإلهية». شخصيات ميثولوجية، استقتها من المنمنات الهندية والفارسية بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، ثمّ أدخلتها عالم الـ«فوتوشوب». قيمة الأعمال لا تقتصر فقط على الجمالية التشكيليّة. فما قدّمته الفنانة اللبنانية الآتية إلى عالم التشكيل من ميدان الرقص والفنون الأدائية، ثمرة جهد بحثي جدي وطويل. تحدثك شرف الدين بشغف عن سنتين من التنقيب عن المنمنمات المغولية الإسلامية الهندية والفارسية، وتفكيكها وتحليل معانيها. «مخيلة الفنانين في ذلك الحين كانت تعطي البراق وجه غلام، يصعب تحديد هويته الجنسية بين الأنوثة والذكورة»، تقول. «لكنّ تمثيلات البراق في المخيلة الشعبيّة اختلفت مطلع القرن العشرين، ليأخذ في الفنون الشعبية الهندية ملامح أنثى مكتملة»، تضيف. هذا التحول في مقاربة الهوية الجنسية للمخلوق الأسطوري، ألهم الفنانة فكرة هذا المعرض. الإحالة إلى دانتي، مفادها ما اكتشفته من قرابة ممكنة بين قصيدته الشهيرة «الكوميديا الإلهية»، وما تصوّره تلك المنمنمات من أساطير مسرحها غياهب الجحيم.



يمكن أن نجد تلك المخطوطات النادرة في المكتبة الوطنية الفرنسية، أو متحف الميتروبوليتان في نيويورك، وأماكن أخرى. إنّها بما تختزنه من خيال مشهدي، مادة حساسة، ومنجم لأطروحات غنيّة عن مفاهيم الجمال الشعبيّة. العمل

كولاجات رقميّة تجعل الصورة المعاصرة جزءاً من المنمنمات القديمة

عليها بحدّ ذاته، يتطلب جرأة كبيرة، وخصوصاً أنّ شرف الدين قررت إدخال أجساد حقيقية إلى عالم الخيال. هكذا، صوّرت مجموعة من عابري الجندر Androgyne. أعطت مركز لوحاتها لصور فوتوغرافية أبطالها شبان يحملون ملامح أنثويّة. صممت ملابسهم، واختارت معهم الأكسسوارات والماكياج، ثمّ صورتهم بعدسة تشي بالكثير من الفضول والإعجاب في آن. لاحقاً، بواسطة برنامج الـ«فوتوشوب»، أنجزت كولاجات رقميّة، حرفية ودقيقة، فأدخلت أبطالها المعاصرين إلى الميثولوجيا، فباتوا جزءاً من المنمنمات القديمة. حوّلت هذا إلى براق، وذاك إلى طاووس، وذاك إلى ملاك، وذاك إلى سلطان... قبل يومين، أغلقت «غاليري أجيال» (الحمرا ـــــ بيروت) الباب على هذه «الكوميديا الإلهية». لكنّ شذا شرف الدين فتحت الطريق على مساءلات مفتوحة لمسلّمات الجمال والجندر المعاصرة.


«غاليري أجيال» (بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/345213