معرضه الخامس «غبارنا الطالع» الذي يستضيفه «مسرح بابل» مناسبة للتعرف إلى مشروع بصري اتّسم بتصاعدية ملموسة
حازم سليمان
تعاين لوحة التشكيلي السوري نصر ورور العالم من منظور قلق. كائنات مركبة، وعوالم عالقة في فضاء حكائي. مهارته المعهودة أسهمت في إنجاز تجارب برزت فيها جودة التكوين والصنعة. منذ منتصف الثمانينيات، اتسم حضور ورور بمدّ وجزر. خروج إلى الضوء ثم انسحاب. مناورة محيّرة ومشتتة لمتابع تجربة هذا الفنان. لكنّ إطلالاته المتواترة حملت كل مرة اجتهاداً في إنجاز لوحة حافظت على متن متشابك وغني. اتساع المقولة، وميلها إلى أن تكون حاضنة لبنى ومواقف متباينة، لم يكونا عائقاً أمامه للإمساك بمفردات أعمال نضج فيها اللون، وانتظم إيقاعها في بنائية قوية وصارمة.
معرضه الفردي الخامس الذي يستضيفه «مسرح بابل» مناسبة للتعرف إلى مشروع بصري اتّسم على مدى السنوات الماضية بتصاعدية ملموسة. أعماله الجديدة صارت أكثر جرأة. شخوصه التي كانت تسبح في مساحات واشتغالات لونية مُضللة، أعلنت حضورها. خلّص ورور فضاءه من زحام جمالي وبلاغي. باتت اللوحة أقوى. تبلور الشكل، وبدا الموضوع نافراً ومستفزاً. الرغبات والنزوات وردود الفعل ظهرت قوية ومباشرة.
ورور الذي أطلق على معرضه اسم «غبارنا الطالع» بات أكثر ميلاً إلى التقشف. البلاغات اللونية التي كانت تخلق مسافة محيرة بين المتلقّي والعمل، تراجعت لمصلحة سطوح بلون واحد، أو تدرجات ناعمة يتجلى فيها الشكل. لم تعد الغنائية كاتمة على أنفاس اللوحة. اتضحت بنية العمل وظهرت للعيان حرفية ورور وحساسيته في خلق تكوينات تضجّ بصخب مكبوت. استخدامه خامة الفحم في أعماله المنجزة في عام 2010 أعطى لتكويناته القاسية بعداً جمالياً كان مستتراً في أعماله السابقة. في لوحته المميزة «صورة الكرسي» (أكريليك وفحم على قماش) بدت صنعة

لوحته تتكئ إلى مخزون شعري لا يخلو من رثائيات مُضمرة

ورور جلية وملموسة. خلوة ذلك الكائن في فضاء أحمر. تعبيرية الأطراف، والتشبه بالنحت، والخطوط القاسية، جميعها عناصر تتوج العمل بمناخ كهنوتي لا يخلو من الحكمة. كذلك الأمر في لوحة «هاء صغيرة» (أكريليك وفحم على قماش). هنا يستفيد الشكل من تجريدية مبطنة. ضربات عفوية قاسية تؤسس لعلاقة عضوية وحميمة بين مفردات الشكل الذي يراوح بين نعومة وهندسية صارمة وحادة. قسوة ورور «نعومة جارحة». لوحته تتكئ إلى مخزون شعري لا يخلو من رثائيات مُضمرة.
لن يكون صعباً على المتجول بين أعمال المعرض الـ22 تلمّس تلك المهارات الصغيرة التي تضيء تجارب ورور. ثمة تأسيس لعالم متشابك وقاس. العوالم السرية لشخوصه بدت مكشوفة في مواربات بسيطة ودلالية. المضمون يمرر رسائل عن عالم مأزوم قوامه العزلة. تبدو ملامح الشخصيات كأنها ناهضة من تاريخ نجهله. شبق، وشوق، وأنوثة متجسدة بجرأة. الغواية في لوحة «تتحرش بأمطارها». تحليق حميمي في عالم أبيض في لوحة «وما بينهما». والنزوة تصل إلى مداها في لوحة «خمسة باليد واحد».


حتى 24 تشرين الأول (أكتوبر) ـــــ «مسرح بابل» (الحمرا) ـــــ للاستعلام: 01/744033