بعد إقفال استديوهات «أوربت»، ثمّ إقالة رئيس تحرير جريدة «الدستور» إبراهيم عيسى، ها هو «جهاز تنظيم الاتصالات» يعلن فرض رقابة على الرسائل الإخبارية التي ترد على الهواتف الخلوية
محمد عبد الرحمن
في كل مرة يصدر فيها قرار جديد يحدّ من حرية الإعلام في مصر، يخرج أصحاب القرار مؤكدين أن هدفهم هو تنظيم القطاع، لا فرض الرقابة. كذلك، يعلن هؤلاء أن سلسلة القرارات التي اتّخذت أخيراً لا علاقة لها بانتخابات مجلس الشعب المقبلة، ولا بالحراك السياسي الذي تشهده مصر حالياً. مثلاً، حدث ذلك عندما أقفلت استديوهات «أوربت» في القاهرة لأسباب قيل في البداية إنّها مالية، قبل أن يصبح غياب عمرو أديب وبرنامجه «القاهرة اليوم» اعتيادياً. ثم تكرر الأمر نفسه مع الصحافي المعارض إبراهيم عيسى وجريدة «الدستور»، التي لا يزال ملّاكها الجدد يؤكدون أنهم يبحثون عن رئيس تحرير جديد يحافظ على قوة الجريدة. في وقت يبدو فيه واضحاً أن عملية اغتيال هذه الصحيفة المستقلة قد نجحت عن سابق إصرار وترصّد.
وأخيراً جاء قرار «جهاز تنظيم الاتصالات» بفرض رقابة مسبقة على الرسائل الإخبارية السريعة التي ترد على الهواتف الخلوية ليؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التضييق على الإعلام، حتى إن بعضهم أعرب عن تخوّفه من وصول الرقابة إلى موقع «فايسبوك»، الذي ينشط المصريون عليه نشاطاً كبيراً وبحرية كاملة.
وبالعودة إلى أزمة الهواتف الخلوية، فإن اللافت هو أن جهات حكومية كانت قد أطلقت هذه الخدمة بالذات قبل سنوات، وتحديداً «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، وقطاع الأخبار في «التلفزيون المصري». إذ يبعث المشترك برسالة فارغة إلى رقم الخدمة التي تكلف دولاراً واحداً تقريباً كل شهر لتصله يومياً أبرز الأخبار التي تبثها الوكالة أو التلفزيون. وغالباً ما تكون الأخبار المُرسلة هي الأخبار الرسمية التي لا يتابعها المشترك من خلال الصحف أو الشاشات. وخلال الأشهر الماضية، دخلت إلى حلبة المنافسة جريدتَا «المصري اليوم»، و«اليوم السابع» من خلال الاتفاق مع شركات الخلوي العاملة في مصر.
كذلك، ظهرت شركات صغيرة تقدم الخدمة نفسها لكن بطريقة تختلف عن المؤسسات والأفراد الذين يحتاجون إلى التواصل مع أكبر عدد من أفراد الجمهور في أقل وقت ممكن. مثلاً خلال الانتخابات، لجأ المرشحون إلى إرسال كميات كبيرة من الرسائل إلى عدد ضخم من الناخبين، وهو ما أثار مخاوف الجهات الحكومية من سوء استخدام هذه الخدمة عموماً. وما زاد الطين بلّة كان انتشار رسائل على الهواتف الخلوية خلال الأزمة الأخيرة بين الأنبا بيشوي ومحمد سليم العوا. ورأت مصادر حكومية أنها زادت من حالة الاحتقان الطائفي بين المصريين.
والجهات الحكومية نفسها حذّرت من أن بعضهم قد يسيء استخدام هذه الخدمة لتحقيق مكاسب غير مشروعة على المستوى الاقتصادي، وتحديداً داخل البورصة المصرية. لكن الأكيد أن القيود الرقابية الجديدة لن تفرّق بين الخدمات الإخبارية والشركات الصغيرة التي قد تُستخدَم لإطلاق الشائعات السياسية والاقتصادية. إذ إن الهدف الأساسي من هذا القرار هو السيطرة المسبقة على الأخبار والمعلومات التي تصل إلى أكثر من خمسين مليون مصري مشتركين في خدمة الهاتف الخلوي. وبالتالي بات إلزامياً على الصحف أن ترسل أخبارها أولاً إلى الرقباء الذين سيُختارون، للاطلاع على نص الخبر قبل الموافقة على تمريره.

تزامن هذا التضييق على الإعلام مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية نهاية الشهر المقبل
وقد دفع ذلك رئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» مجدي الجلاد إلى التساؤل في برنامج «العاشرة مساءً» على قناة «دريم» عن سبب فرض هذا النوع من الرقابة على صحف حاصلة على ترخيص بالصدور، وكل ما ترسله إلى جمهورها متوافر على موقعها الإلكتروني أو على الصفحات المطبوعة. وأبدى الجلاد مخاوفه من أن تتبع هذه الخطوة قرارات أخرى تحد من سرعة وصول المعلومات إلى المتلقي. وذكّر بأنّ هذا القرار يبعد المشتركين عن الحياة العامة، بما أن معظم المستفيدين من هذه الخدمة هم المصريون الذين لا يقرأون الصحف، ولا يعرفون أبرز التطورات السياسية والاجتماعية. ثمّ استقبل البرنامج نفسه اتصالاً من مستشار وزير الاتصالات محمود الجويني أكد خلاله أن ما صرّح به الجلاد خاطئ، وأن القرار وسيلة تنظيمية لنشر الرسائل من خلال وسيط بين الجرائد والقارئ. حيث تُرسَل الأخبار أولاً إلى هذا الوسيط (الرقيب)، وهو يختار منها الصالح للنشر ويرسله بدوره إلى القرّاء! وأكد الجويني أن هذه الخطوة تعدّ وسيلة تقنية لتنظيم الرسائل التي تصل إلى الأفراد بعد التأكد من صحتها، وخصوصاً مع انتشار هذه الخدمة في الفترة الأخيرة. ما تسبّب ببلبلة داخل المجتمع المصري. ونفى الجويني ما يتردّد عن ارتباط موعد هذا القرار بموعد الانتخابات النيابية المقررة في نهاية الشهر المقبل، مؤكداً أن هذا القرار يُعدّ له منذ فترة طويلة.


ممنوع دخول الكاميرات

رغم استياء معظم الإعلاميين من القرارات الصادرة أخيراً، فإنّ الجميع تعامل باحترام مع القرار الذي اتخذه القضاء المصري بحظر دخول الكاميرات إلى قاعات المحاكم. ويأتي ذلك بعدما تحوّلت «محاكمة القرن»، أي محاكمة هشام طلعت مصطفى في جريمة اغتيال سوزان تميم إلى مادة للسجال في برامج الـ«توك شو». وقال الصحافيون مدافعين عن هذا القرار إن الكاميرات لا تدخل قاعات المحاكم في الولايات المتحدة، بل يُرسم المتهمون كما يظهر في أفلام هوليوود. بينما تحولت محاكمة هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري إلى حلقات تلفزيونية لا تنتهي، وكل قناة تقدم رؤيتها حسب المصالح والمواقف السياسية والشخصية.