الحداثة والديموقراطيّة والعولمةقدّم الشاعر المغربي رؤيته لميثاق وطني للثقافة في بلاده. ما التحديات المطروحة على هذا الرافد الأساسي في ثقافتنا المعاصرة؟

الرباط ــ محمود عبد الغني
بعد دعوة الشاعر عبد اللطيف اللعبي («الأخبار»، 11 أيار/ مايو 2010)، إلى صياغة «الميثاق الوطني للثقافة»، أصدر محمد بنيس أخيراً بياناً موسعاً حمل عنوان «عن مشروع «الميثاق الوطني للثقافة» استجابة لدعوة من الصديق عبد اللطيف اللعبي». خطوة دافعها الأساسي التخبط الذي تعيشه الثقافة المغربية، وعجزها عن امتلاك مرجعية وطنية توحدها. «إنّها حالة إخفاق تاريخي سيؤدي المغرب عنها الثمن غالياً إن لم يتوحّد المثقفون في صف واحد للدفاع عن قضيّة هي من أخطر القضايا التي يمكن أن تعرفها أمة من الأمم»، يكتب بنيس. وقد تكون خطوة بنيس أيضاً، استجابة لدعوة أخرى وقّعها الناقد والروائي محمد برادة الذي وزّع ميثاقه الثقافي الخاص على عدد محدود من المثقفين.
تبعيّة الثقافي للسياسي، وتهميش اللغة العربية
ينتمي اللعبي، وبنيس، وبرادة، إلى جيل مغربي خاض معارك ثقافية وسياسية كبرى خلال الستينيات والسبعينيات. وهو نفسه الجيل الذي يبادر الآن إلى قول الحقائق بطريقة أخرى، أكثر تأصلاً ووضوحاً. فلا يخفى على أحد دور محمد بنيس في الثقافة المغربية الحديثة من خلال تأسيسه مجلة «الثقافة الجديدة» المغربية، و«بيت الشعر في المغرب». ولا ينسى أحد نضال عبد اللطيف اللعبي السياسي الذي كلّفه عشر سنوات من الاعتقال، ولا دور محمد برادة في تطوير مناهج النقد في الجامعة المغربية، ورئاسته لـ«اتحاد كتاب المغرب» خلال سنواته الذهبية.
إن قلق ميثاق وطني للثقافة هو انشغال قديم في المغرب، ورد على خاطر العديد من المثقفين المغاربة. إذ يذكرنا بنيس في بيانه بكتابات من نفس الصنف تعود إلى الثلاثينيات مثل ما كتبه محمد داود وسعيد حجي، ومنها ما جسدته كتابات المفكر عبد الله العروي.
عام 2003، وبمناسبة انعقاد الاجتماع العام لـ«بيت الشعر في المغرب»، تحدث بنيس عن ضرورة الانتقال إلى مرحلة وضع «الميثاق الوطني للثقافة». جاءت الدعوة مع توافر عناصر عدة قد تسهم في ترسيخ ميثاق مماثل، أهمها اتساع الممارسة الثقافية الحديثة، والشروع في الكلام على الحداثة والديموقراطية على المستوى الرسمي. يؤكد بنيس قائلاً: «آنذاك بدا لي أن الوقت مؤات لتدارك سلبيات المرحلة السابقة من ناحية، والاستعداد، من ناحية ثانية، لمقاومة العولمة التي (...) أخذت تستبد بالحياة العامة». رغم تفاؤل بنيس، إلا أنّه يرفض، عكس اللعبي، وضع ميثاق على خطى «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» الذي يرى أن تصوره «خضع لميزان القوى السياسية والنقابية ولمصالحها الظرفية». لذلك، فالحلّ بحسب صاحب «هبة الفراغ» هو أن يعمد المثقف المغربي الى سنّ ميثاقه الوطني الخاص. لكنّ هذا «المثقف يقف عقبة ضد نفسه»، برأيه، أمام هيمنة المصالح الشخصية، وكثرة النزعات، إضافةً إلى تبعية الثقافي للسياسي، وندرة المؤسسات الثقافية الفاعلة، وتهميش اللغة العربية ومحاكمتها، وسيادة الحقل الديني وصرامته. أمام كل مظاهر الأزمة المذكورة أعلاه، تمنّى بنيس أنّ «نتجرأ على تغيير طريقتنا في تأمل الواقع وتفسيره»، داعياً في ختام بيانه إلى ضرورة إعلان «التضامن الصريح مع المثقفين المظلومين، وتشجيع المساواة في التعامل مع المثقفين وفي حفظ كرامتهم وإنسانيتهم».