بيار أبي صعب
كنا ننتظر أن تزفّ إلينا كوليت نوفل نبأ عرض «شو صار» في مهرجانها أخيراً. لكن الرقابة اللبنانيّة، بدلاً من أن تفكّ الحصار عن فيلم ديغول عيد، كما طلب وزير الداخليّة شخصيّاً، اختارت أن تضرب من جديد، و«مهرجان بيروت الدولي للسينما» في أوجه. الضحيّة هذه المرّة فيلم «الأيّام الخضر» لهانا مخملباف (الصورة، ١٩٨٨)، وفيه تتناول المخرجة الإيرانيّة الشابة الانتفاضة التي انطلقت الصيف الماضي في شوارع طهران، بعد الانتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة.
رافقت هانا مبكراً تجارب والدها محسن مخملباف، أحد معلّمي السينما الإيرانيّة، ثم أختها الكبرى سميرة. حقّقت فيلمها الأوّل في التاسعة، وفازت في العشرين بالـ«الدب الكريستال» في «برلين» عن باكورتها الروائيّة «الدفتر» (٢٠٠٧، حرب أفغانستان). وجاء «مهرجان بيروت الدولي» ليتيح، لأوّل مرّة في العالم العربي، مشاهدة شريطها الجديد الذي احتفت به «البندقيّة» قبل عام. يجمع الفيلم الذي أنجزت مخملباف مونتاجه في إيطاليا في عزّ حركة الاحتجاج الإيرانيّة، بين البعدين الوثائقي والروائي. وهو غني بالمادة الأرشيفيّة لتظاهرات طهران التي نعيشها من منظار آية، البطلة المأزومة التي تجسّد وضع المرأة الإيرانيّة في مواجهة واقعها ومستقبلها.

تمنى الرقيب اللطيف تأجيل عرض فيلم هانا مخملباف ريثما تنتهي زيارة الرئيس الإيراني!


الرقيب لم يمنع Green Days للأمانة. كل ما في الأمر أنّه تمنّى على إدارة المهرجان «تأجيل عرضه» ريثما تنتهي زيارة الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد. هذه اسمها لياقة وذوق. المشكلة أن المهرجان ينتهي مع الزيارة. والمشكلة الأكبر أننا لا نعرف إذا كان من صلاحيات الأمن العام التدخّل في حدث ثقافي لبناني، لجعله يتناسب مع المفكّرة السياسية لأي زيارة رسميّة للبنان.
طبعاً هذا الاعتداء على الحريّات الثقافيّة قد يثير اليوم استنكار بعض المدافعين المزيّفين عن الحريّة، ممن تحرّكهم عصبيّات ضيّقة وأجندات سياسيّة مشبوهة. ليتذكّر هؤلاء أنّهم لم يحرّكوا ساكناً في العام الماضي، حين رضخ الرقيب لطلب «المجلس الكاثوليكي للإعلام»، ومنع عملين للإيطالي باولو بينفينوتي في المهرجان نفسه، لأنّهما يتناولان ممارسات الكنيسة في القرون الوسطى. كانت السلطتان الدينية والسياسيّة تضربان يومذاك بقبضة واحدة. لبنان ٢٠١٠ لم يخرج تماماً من القرون الوسطى الأوروبيّة.