فيلم سياحي مليء بالكليشيهاتعماد خشان
«أكل وصلاة وحب» هو فيلم جوليا روبرتس الجديد. لو أنّنا نحيا في عالم مثالي، لكانت الجملة السابقة هي كل ما يحتاج إليه القارئ لإدراك ماهية الفيلم وطبيعة محتواه الباهت. ولو كنّا نحيا في عالم مثالي لما صنعت تلك الأفلام، ولكان مبلغ الستين مليون دولار الذي كلّفه إنتاج الفيلم (10 ملايين لروبرتس) وُزّع على الفقراء والمشردين والأطفال المتسولين الذين نراهم لدى وصول إليزابيث غيلبرت (جوليا روبرتس) إلى الهند.
في «أكل وصلاة وحب» الذي أخرجه راين مورفي، تحاول روبرتس (1967) أن تمثّل قدر المستطاع. إلا أنّ الفيلم يسيء إلى كل ما يتناوله، بسبب سطحيته في تناول القضايا أو الأماكن التي يتطرق اليها. الشريط مقتبس عن كتاب بالعنوان نفسه تحكي فيه مؤلفته إليزابيث غيلبرت عن تجوالها حول العالم بحثاً عن السعادة والتوازن الجسدي والروحي بعد طلاقها. كتب مماثلة تبيع ملايين النسخ في أميركا، إذ تتبع وصفة مضمونة النتائج: امرأة متزوجة من الطبقة الوسطى، حياتها مستقرة، إلا أنّها لا تعرف معنى السعادة. تتخذ عشيقاً، لكن نفسيتها لا تتحسن فتطلق زوجها وتترك عشيقها وتنطلق في رحلة حول العالم بحثاً عن ذاتها في الهند وإندونسيا.
هكذا، سنجد في الفيلم جرعات زائدة من الروحانية الشرقية من فئة اليوغا والأناشيد والصوم عن الكلام. مواضيع كهذه تقبل عليها النساء في الولايات المتحدة. لهذا، فقد بقي الكتاب على قائمة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة ١٨٧ أسبوعاً، وتناولته أوبرا وينفري على مدى حلقتين، قبل أن يصل إلى الشاشة الكبيرة. تؤدي جوليا روبرتس هنا قصة مؤلفة الكتاب، في عالم من الثروة والشهرة، أي ما يمثل الحلم الأميركي لكل «مواطن شريف».
«طعام وصلاة وحب» يأخذ الخطوط العريضة للكتاب، لكنّه يحوّلها إلى فيلم سياحي مليء بالكليشيهات والصور النمطية. وكما في الكتاب، يحكي الشريط قصة إليزابيث غيلبرت الكاتبة المتزوجة رجلاً يحبها. وطبعاً في أفلام مماثلة، ليس المال هو المشكلة. المشكلة أنّ الملل يدب في العلاقة. وحين لا يكون الزوج متحمساً لإنجاب الأطفال، فإنّ أيامه مع زوجته تصبح معدودة. والحل الفوري هو اتخاذ عشيق ريثما تتضح الأمور. ومع أنّ عشيقها دايفيد محب ولطيف، إلا أنّه ليس ما تبحث عنه. هكذا تنهي معاملات طلاقها من زوجها المصدوم وتترك عشيقها، وتنطلق إلى إيطاليا...
تنطلق رحلات إليزابيث غيلبرت، ويبدأ الفيلم بتقديم صورة نمطية مكرورة عن العالم إلى درجة الاجترار. تبدأ رحلة الأكل في إيطاليا ورحلة المناظر السياحية القديمة، والشوارع الضيقة، والتماثيل الشهيرة، والراهبات اللواتي يأكلن البوظة، وعازفي الموسيقى، والسيدات الأنيقات، وجماهير كرة القدم والسفر إلى نابولي لتناول البيتزا الأصلية. ولحسن الحظ، لم يتضمن الكتاب ولا الفيلم رحلة إلى باليرمو... وإلا، كنّا شهوداً على عملية اغتيال تقوم بها المافيا. إذاً من إيطاليا ومطابخها، ننتقل إلى الهند حيث

يبدو الفيلم مكاناً مثاليّاً لترويج الـ «أميركان أكسبرس»!

الازدحام، والغبار، والأطفال الذين يلهون بالقمامة ويتسوّلون في الشوارع، والأبقار المقدسة الفالتة في الطرقات... زد على ذلك أماكن التعبد الهندوسية أو ما يسمّونه «أشرم». تصل إليزابيث إلى «أشرمها» لتبدأ مرحلة تأمل، وتتعرّف إلى السائح الأميركي ريتشارد (ريتشارد جينكينز). ريتشارد يتكلم كثيراً ويستخدم كليشيهات من نوع أنّ مسامحة النفس ضرورية لكل بداية، وقس على ذلك. كأن الصور النمطية التي قدمها الفيلم لا تكفي، وكل ما نحتاج إليه هو كليشيهات إضافية في الدين والفلسفة والحياة.
وما إن تنهي إليزابيث جولتها الروحية في الهند حتّى تمضي إلى بالي في إندونيسيا. ورغم أنّ الكتاب والفيلم يركزان على فكرة البحث عن الذات، إلا أنّ ما نشعر به أن إليزابيث ليست إلا في رحلة بحث عن الرجل المناسب. وهل من مكان ملائم لإيجاده أكثر من بالي؟ وإذا كان هذا الرجل برازيلياً تكون نصف المشكلة قد حلت، فكيف إذا كان رجل أعمال ناجحاً يؤدي دوره خافيير بارديم؟ لا ندرك أي ميزة للرجل الذي اختارته سوى وسامته. وهذا ما يجعل القصة حكاية امرأة تعاني الملل وتقوم بما تقوم به لأنّها قادرة مادياً وقانونياً وعقلياً.
إليزابيث إنسانة طيبة، مثل كثيرين في الولايات المتحدة الأميركيّة، تدخل في حالات قلق وجودي سببها الفراغ فتحلّها بالسفر إلى أوروبا وآسيا. يمكن وضع الفاتورة كلها على بطاقة «أميركان أكسبرس» التي نراها في يد جوليا روبرتس. كأنّ هذا الفيلم السياحي هو المكان المثالي للترويج لـ«أميركان أكسبرس»!


Eat, Pray, Love: «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير دون» (01/792123)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «أمبير سوديكو» (01/616707)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)


ضربة حظ؟

كتاب «أكل وصلاة وحب» الذي جاء عنوانه الفرعي «رحلة امرأة بحثاً عن كل شيء في إيطاليا والهند وإندونيسيا» (٢٠٠٦) تشكّك معظم النقاد بصدقية أحداثه، وعدوه متصنّعاً بل مزيفاً.
إلا أنّهم أحبّوه في أجزاء منه وعدّوا المؤلفة إليزابيث غيلبرت من أكثر الناس حظاً بما نالته من نجاح وشهرة.
وقد حقّق الفيلم المقتبس عنه خلال شهرين ما يقارب ثمانين مليون دولار في الولايات المتحدة، وهو ما زال يعرض في صالات السينما من دون توقف، وهو أمر نادر لفيلم من هذا النوع.
هذا النجاح بات يمثّل مشكلة لكاتبة العمل التي اشتكت من أنّه بعد باكورتها هذه، ازدادت الرهانات والتوقعات إزاء كتابها الجديد.
وإذا لم تنجح في تقديم عمل أنجح، أو على الأقل بمستوى كتابها الأول، سيرى كثيرون أنّ نجاح كتابها الأول مجرد ضربة حظ.