خلال تغطيتها الانتخابات التشريعية المصرية، شُغلت القناة الأميركية بسؤال واحد: لماذا رفضت المعارضة المصرية وجود مراقبين دوليين؟ لكن الجواب لم يأت حسب توقعاتها
محمد خير
كأنما للرد على قرار إحالتها إلى التحقيق من جانب وزير الإعلام المصري أنس الفقي، تفرّغت قناة «الحرة» أول من أمس الأحد، خلال تغطيتها للانتخابات التشريعية في مصر لطرح سؤال واحد: لماذا رفضت المعارضة المصرية وجود مراقبين دوليين؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، ينبغي العودة إلى الوراء مسافة يوم واحد، عندما طلب الفقي من اللجنة العليا للانتخابات التحقيق مع القناة الأميركية (والمقصود إدارتها في القاهرة بالطبع) بسبب تجاوزها ما يسمّى «يوم الصمت الانتخابي». اليوم المذكور (السبت الماضي) هو اليوم الذي يسبق انطلاق العملية الانتخابية. وكان ينبغي طبقاً لما أعلنه الوزير نفسه ليلة الجمعة، ألّا تتناول وسائل الإعلام أياً من أخبار الانتخابات خلال «يوم الصمت». وهو إجراء يخال من يسمع عنه أنه ابن تجربة عريقة في نزاهتها، ونتاج منظومة لا تسمح بأبسط إخلال بعدالة الديموقراطية.
على أيّ حال، فإن قناة «الحرة» التي لا تزال تتكلم عن الديموقراطية في الشرق الأوسط حتى بعد رحيل جورج بوش، ومجيء باراك أوباما «المتفهم لخصوصية المنطقة»، استضافت عدداً من المرشحات للانتخابات. ويأتي ذلك في ظل اهتمامها «النوعي» الذي يركّز على الأقليات وقضايا الجندر. تحدثت المرشحات ـــــ بطبيعة الحال ـــــ عن الانتخابات، ما بدا تحدياً لصمت يوم الصمت، فكان قرار الوزير بالتحقيق الذي يبقى من الممتع تتبع نتائجه المفترضة.
بدأت العملية الانتخابية بعد انتهاء يوم الصمت، نحو انتخاب برلمان أكثر صمتاً. في غياب الإشراف القضائي المستقل، ترددت منذ الصباح الباكر أنباء عن تزوير الأصوات والبطاقات لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم أو المدعومين منه. تزوير لم يكن مفترضاً بل منتظراً، ومتوقعاً ومؤكداً. وكان التقدّم الوحيد الذي شهدته العملية الانتخابية هو ارتفاع قيمة صوت الناخب المصري من عشرين جنيهاً (4 دولارات تقريباً) إلى مئات عدة. أما التغير الأبرز فكان تفاوت قيمة استئجار «البلطجية» من مئات قليلة إلى عدة آلاف من الجنيهات حسب قوة «المعركة» وتوافر البلطجية.
وبينما كان التلفزيون الحكومي ينقل صوراً ناصعة للجان هادئة

نقل التلفزيون الحكومي صوراً ناصعة للجان هادئة في غياب القنوات الخاصّة

منتقاة، وبينما تعلمت التلفزيونات الخاصة درس المنع والإلغاء، فقدمت درساً آخر في الحذر التلفزيوني، كانت قناة «الحرة» ـــــ عبر تغطيتها المباشرة ـــــ لا تزال تسأل ضيوفها المصريين والأجانب: لماذا رفضت المعارضة المصرية الرقابة الدولية؟
تراوحت إجابات «الخبراء» الأجانب بين «عدم الثقة في العالم الغربي»، و«تجنب المساس بالسيادة الوطنية»، لكن الإجابة لم تأت سوى في المساء. وقتها، استضاف برنامج «ساعة حرة» عدداً من المحللين المصريين، من بينهم الناشط عمرو حمزاوي من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، ووحيد عبد المجيد من «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية». اختلف الأول والثاني حول جدوى الرقابة الدولية، لناحية أنها لا تملك القدرة على اكتشاف الأساليب المحلية في تزوير الانتخابات. إلا أن «الإجابة» المنتظرة جاءت أخيراً من رئيس تحرير مجلة «المصوّر» الحكومية حمدي رزق الذي تساءل: من قال إن الرقابة الأجنبية لم تكن موجودة فعلاً؟ أمام دهشة الضيوف، شرح رزق وجهة نظره: ليس ضرورياً أن يكون المراقب الأجنبي أشقر الشعر، وأخضر العينين، فالمراقبون المحليون يعملون بدولارات المنظمات الأجنبية. وبعدما حدد حجم الدولارات بالضبط (940 ألف دولار)، أكد رزق أن المراقب الأجنبي «الذي كان موجوداً فعلاً... قد يكون مصرياً محباً لبلده، وقمحي اللون أيضاً». ربما كانت تلك الإجابة الوحيدة التي لم تتوقعها قناة «الحرة».