التقرير السنوي لمنظمة «مراسلون بلا حدود» حول حرية الإعلام، لم يردع الحكومة اليمنية عن إقرار مشروع قانون جديد يضيّق الخناق أكثر فأكثر على أهل الصحافة
صنعاء ــ جمال جبران
يبدو أن الحكومة اليمنية لا تتوقّف عن أذية نفسها. كلّما دخلت في ضائقة جديدة، راحت تبحث عن أخرى. كأنه لا يكفيها كمّ الأزمات الذي يحيط بها: الحراك الشعبي في الجنوب، والتمرد الحوثي في الشمال، وبينهما توسع شرس لتنظيم «القاعدة» لا أحد يعرف كيف سيتوقّف. أضف إلى ذلك توغّل الفساد في الجهاز الإداري للدولة، والعجز عن إيجاد حلول عاجلة لقضايا تتعلّق بمعيشة الناس، منها مشكلة نضوب المياه، وارتفاع نسبة البطالة، وانحسار هيبة الدولة تحت سطوة القبيلة وعجزها عن السيطرة على مناطق الأطراف.
لكن الحكومة قرّرت أن ترمي كل ذلك وراء ظهرها، والذهاب صوب الصحافيين كأنهم السبب في كل ما يجري اليوم في الجمهورية اليمنية!
يأتي كل ذلك بعد أيام قليلة على إعلان منظمة «مراسلون بلاحدود» التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أشار إلى تقلّص مساحة حرية التعبير في اليمن، واستمرار تنفيذ عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب بحق الصحافيين. وهو ما جعل هذه الدولة العربية تنضمّ إلى قائمة عشر دول «حيث مهنة الصحافي أمر سيئ للغاية». ولم تنتظر الحكومة اليمنية أن يجفّ حبر هذا التقرير، بل سارعت قبل بداية إجازة عيد الأضحى إلى إخراج مشروع قانون جديد للصحافة والمطبوعات، وهو ما زال قيد النقاش بين مجموعة من القانونيين المستقلّين بالاشتراك مع نقابة الصحافيين. لم تنتظر الحكومة الانتهاء من دراسة القانون، بل أحالته إلى مجلس النواب لإقراره بصيغته الحالية. وهي صيغة يمكن وصفها بالكارثية، وفق بيان صادر عن النقابة نفسها. إذ يقترب من تجريم «كل من يفكر في امتلاك قناة تلفزيونية أو محطة إذاعية أو موقع إخباري إلكتروني». وأضاف البيان أن القانون هو مجرّد «مشروع جباية أموال، يعبّر عن ردة تشريعية تكشف عن العقلية الشمولية التي صاغته، ولم تتمكن من الانفكاك عن الماضي الذي اتّسم بالسيطرة على وسائل الإعلام». كذلك فإنّ القانون يمنح وزارة الإعلام صلاحيات تقع في دائرة اختصاص السلطة القضائية كالحقّ في منح تصاريح إصدار صحف أو إلغائها.
وعند النظر إلى بعض مواد هذا القانون، يمكن ملاحظة تركيزه على مسألة إعاقة التدفّق الحر للمعلومات من خلال فرضه قيوداً لا حصر لها على عمل الصحافي. كذلك، فإن هذا النص التشريعي لا يضمن حماية الإعلامي وعدم تعرّضه للخطر أو الإيذاء أثناء ممارسة مهنته. إذ إنّه يرتبط مباشرة بمواد قانون الجرائم والعقوبات الاعتيادي. وهو الأمر الذي يضع الصحافي تحت رحمة تلك المواد ومنها ما ينتهي بحكم... الإعدام!
إلى هذا، تعدّ بنود القانون رئيس التحرير في الصحيفة المتهم الأول وفاعلاً رئيسياً، رغم مناقضة ذلك لمبدأ شخصية العقوبة. كما يمنح الحق لجهات حكومية ـــــ وتحت مسميات فضفاضة غير محددة بوضوح من الرقابة المسبقة ـــــ إلى مصادرة الصحيفة بعد نزولها إلى الأسواق بدعوى المسّ بالزعماء، والمقدسات، والقيم، والتقاليد. مع العلم أن القانون السابق (رقم 25 لسنة 1990)، بحسب ما قاله نقيب الصحافيين اليمنيين السابق عبد الباري طاهر لـ«الأخبار»، هو قانون مفتوح «على القوانين العقابية

إعاقة تدفّق المعلومات وتجريم كل من يفكّر في امتلاك قناة أو محطة إذاعية أو موقع إخباري
الأخرى: قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون المرافعات، وقانون الوثائق، وقانون الانتخابات». وأضاف طاهر أن هذا القانون «يتيح للقاضي توقيع عقوبة يسمّيها تكميلية، فيمكن توقيع أكثر من عقوبة في مخالفة رأي، كما تتضمن القوانين العقابية فيه عقوبة الجلد بحق الصحافي، وعقوبة الإعدام أيضاً».
لكل هذه الأسباب يرى صحافيون مستقلّون أن النجاح في تمرير هذا القانون هو انقلاب حقيقي على ما اتُّفق عليه بين شطرَي اليمن قبل إعلان وحدتهما. وأكد صحافي مستقلّ (فضّل عدم ذكر اسمه)، شارك في جلسات نقاش مشروع القانون أنّ «تمرير هذا القانون المشين هو إعلان عودة نظام الجمهورية العربية اليمنية (دولة الشمال) رسمياً، ما يعني الانقلاب فعلياً على دستور دولة الوحدة».
وبعد التأكد من بدء مجلس النواب طرح هذا القانون للنقاش بعد العودة من إجازة عيد الأضحى، ناشدت نقابة الصحافيين المجلس «عدم التجاوب مع هذا المشروع الذي يضع كل العراقيل أمام حرية إنشاء محطات الإذاعة، والتلفزة، وتدفق المعلومات، وممارسة الإعلام لدوره في التنمية، والتنوير، والمشاركة الفاعلة في صنع التحول الديموقراطي لليمن الجديد». كما طلبت النقابة من «الاتحاد الدولي للصحافيين» الوقوف إلى جانب الإعلاميين اليمنيين في معركتهم الجديدة مع السلطة «كي لا يشعروا بأنهم وحدهم».


التهمة: صحافي!

ما زال الصحافي اليمني عبد الإله شائع متمسكاً برفضه التعامل مع المحكمة الجزائية (أمن الدولة) التي تنظر في قضيته. ويؤكّد أن المحكمة غير قانونية بسبب عدم اختصاصها في النظر في قضايا الصحافة. ويُحاكم شائع بتهمة «عمله مستشاراً إعلامياً لتنظيم «القاعدة» في اليمن».
وفي جلسة أول من أمس الأحد، واصل شائع رفضه التعامل مع المحكمة، مجدِّداً طلبه إحضار من قاموا باختطافه ومحاكمتهم على أفعال قاموا بها خارج القانون. وفي الجلسة نفسها، قدّمت النيابة جهاز كومبيوتر محمولاً قالت إنه يعود إلى شائع دليلاً على إدانته، لكن الصحافي اليمني أكّد أن هذا الكومبيوتر هو غير الجهاز الذي صودر يوم القبض عليه.