Strong>تسعة أيّام لانتشال المسرح السوري من رقادهإيمان سماوي، نضال سيجري، خلود ناصر، مانويل جيجي، أيمن زيدان، ليلى سليمان، عبد المجيد شكير، مهند هادي، جعفر القاسمي... تلك بعض الأسماء التي ستصنع ألق «مهرجان دمشق للفنون المسرحية» ابتداءً من اليوم. هل تفاجئنا الدورة الـ١٥ بقدرة أوسع على التأثير والتفاعل، بعدما تسلّم مقاليد وزارة الثقافة السوريّة رياض عصمت؟

خليل صويلح
هل تكفي تسعة أيام لانتشال المسرح السوري من ركوده الطويل وأزماته المتلاحقة؟ كأنّ «مهرجان دمشق للفنون المسرحية» الذي تنطلق فاعلياته مساء اليوم، يأتي ليذكّرنا بمحنة الخشبة في ظلّ طغيان الدراما التلفزيونية. تكاد المسارح السورية تخلو من ألقها القديم، بعدما فقدت روّادها الأوائل، وانفضّ عنها عشاقها. سنتذكر سعد الله ونّوس الذي أرسى دعائم المهرجان في دورته الأولى قبل نحو أربعة عقود (راجع الكادر)، وبياناته من أجل مسرح عربي، ونستعيد تلك الحماسة التي انطفأت تجاه المسرح.
لكنّ الوسط المسرحي السوري، من حقّه أن يتطلع اليوم إلى نهضة ثانية، بعد تسلّم رياض عصمت مقاليد وزارة الثقافة. فهذا الأخير كاتب وناقد مسرحي قبل أي شيء آخر... فهل سيلاحظ الفرق، أم أن نصيبه سيكون الخيبة التي طالما تعايش معها في السنوات الأخيرة؟
الدورة الـ15 من المهرجان تُفتتح عند السابعة مساء اليوم على مسرح «دار الأوبرا» في دمشق بعرض غنائي راقص لفرقة «أورنينا» تحت عنوان «الإلياذة الكنعانية». ثم يتوزّع البرنامج على ستة مسارح دمشقيّة، في أجواء احتفالية تفتح الباب للمرّة الأولى أمام مسرح المحافظات.
الجديد أيضاً هذا العام، هو تظاهرة «المنصة المسرحية لحوض المتوسط»، وتشمل عرض «مكان ما في منتصف العالم» لنور الله طونجار من تركيا، وعرضاً من إنتاج فرنسي ــــ تونسي مشترك بعنوان «حتى إليّ يعود» لجنفياف مازان وإيمان سماوي، وعرض من سوريا هو «نيغاتيف» لنضال سيجري، وعرض لبناني هو «ماشي أون لاين» لخلود ناصر، و«باش» لأندرياس كريستو دوليبس من قبرص... إضافةً إلى 20 عملاً عربياً، وتظاهرة خاصة بالمسرح السوري تضمّ 20 إنتاجاً مسرحيّاً، أبرزها «إناس الليل» لباسم قهار، و«مومنت» لرغدة شعراني، و«بيت بلا شرفات» لهشام كفارنة، و«الآلية» لمانويل جيجي، و«راجعين» لأيمن زيدان.
هناك عروض عربيّة ينتظرها الجمهور السوري بشغف كالعرض التونسي «حقائب» للمخرج جعفر القاسمي (جائزة أفضل عرض في «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي»). هنا يتحوَّل جسد الممثل إلى حقيبة محشوة بالأسرار والحركة. يخرج عن صمته وعجزه، ليبدأ مخاضاً عسيراً على الخشبة. وتحطّ فرقة «القصبة» الفلسطينية تحطّ في دمشق في «هبوط اضطراري»، المسرحيّة المأخوذة عن نص سلمان ناطور بإخراج جماعي. سخرية لاذعة في وصف عبثية الوضع الفلسطيني وما يكابده شقيقان، الأول في المنفى، والثاني تحت الاحتلال، واضطرارهما إلى الهبوط الاضطراري من الحلم، إلى جحيم الحياة الخانقة. فيما تنخرط اللبنانية خلود ناصر، من جهتها، في صلب حياتنا الافتراضية، في عملها «ماشي أون لاين»، حيث تسرد يوميات شخصين يلتقيان على مواقع الدردشة باسمين مستعارين. وسرعان ما تتكشف حياتاهما عن أوهام، وذاكرة مغيّبة تحت وطأة الحروب.
أما مصر، فتشارك بـ«صحوة ربيع» لليلى سليمان الذي يقدّم قراءة لمشاكل المراهقين، ويكشف محاولات ترويض رغباتهم وتمردهم وشهواتهم. ويستعير العرض المغربي «طعم الطين» لعبد المجيد شكير، حادثة سفينة تسبب لقاءً غير متوقع بين امرأة من بلاد الرخام، ورجل من بلاد الحجر، في جزيرة وسط البحر. تدور بينهما حوارات اتهامية تكشف عن تناقضاتهما. الجحيم العراقي في ظلّ الاحتلال الأميركي يرصده مهند هادي، في العرض الذي شاهدناه سابقاً في دمشق بعنوان «كامب». لوحة بانورامية عن الألم والخوف والهجرة. نساء مفجوعات بفقدان أبنائهن، ورجال متورطون بحروب طائفية، وحوادث ثأر، ولاجئون يتكدسون أمام مقر الأمم المتحدة، وسيارات مفخخة، وفوضى، وتاريخ مسروق في وضح النهار.
ويحضر المسرح الخليجي بأربعة عروض هي «كنا صديقين» لفهد ردة الحارثي (السعوديّة)، و«أنا أنت الإنسان» لفهد الباكر (قطر)، و«سلوقي» لحسن رجب (الإمارات)، و«دراما الشحادين» لعبد العزيز صقر (الكويت). ويتمثل الأردن بعرضين هما «أحلام شقيّة» عن نص سعد الله ونوس وإخراج نبيل الخطيب (راجع البرواز بشأن الخلاف مع ورثة ونّوس في الصفحة المقابلة)، و«جمهورية الموز» عن نص لـ(معالي الوزير) رياض عصمت وإخراج إياد شطناوي. كذلك يشارك من الجزائر عرض «شظايا» لحسان عسوس، ومن ليبيا «فليسقط شكسبير» لمحمد الصادق، ولبنان «مساحات أخرى» لجنى الحسن...
وللعام الثاني على التوالي، تدور الندوة الفكريّة حول ثيمة «المسرح والشباب»، بمشاركة مخرجين وباحثين من العرب والأجانب، نذكر بينهم يونس لوليدي (المغرب)، وطلال درجاني (لبنان)، وجواد الأسدي (العراق)، ووطفاء حمادي (لبنان)، وميسون علي (سوريا)، وجيرار آستور (فرنسا)، وإدوار زعيتر (الولايات المتحدة). ومن المتوقّع أن تناقش الندوة ـــ التي تستضيفها قاعة الأمويين في «فندق الشام» غداً وبعده ــــ التوجهات الفكرية لمسرح الشباب، وإشكاليات تمويله بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات الخاصة، والأشكال الفنية التي يقترحها، ومحاولاته تحطيم التابوهات. إضافةً إلى إهماله القضايا الكبرى وانخراطه في التجريب. ونشير أخيراً إلى ندوة ثانية بعنوان «المسرح السوري من النص إلى المنصة... أزمة أم انفراج؟»، ستعالج تراجع دور التأليف في النص المسرحي السوري.