جمعيّة «مهارات» تقوم بخطوة أولى في رحلة الألف ميل. مشروع القانون الجديد الذي تعلنه الجمعية اليوم في مؤتمر صحافي، يتميّز بالشفافية ويمثّل صيغةً لإعلام عصري في لبنان، إلا أنّ نقاطاً عدّة ما زالت تحتاج إلى تطوير...
ليال حداد
في عام 2004، عندما انطلقت جمعية «مهارات»، اختارت العمل على مستويَين: إصلاح قوانين الإعلام في لبنان، وتحسين مهارات طلاب الإعلام. لكن تسارع الأحداث الأمنية والسياسية في لبنان عرقل المشروع الأوّل. بعد مرور ست سنوات، تعقد الجمعية مؤتمراً صحافياً اليوم في فندق «فينيسيا» (بيروت) لإعلان مشروع قانون جديد للإعلام أعدَّته بالتعاون مع النائب غسان مخيبر. تتزامن مبادرة «مهارات» مع مبادرات شبيهة أطلقتها أكثر من جمعية، لم تلق الزخم المطلوب، أو فشلت في تقديم مشروع قانون جدّي، يرصد ثغر القانون القديم ويعمل على تعديلها أو إلغائها. تعديلات كثيرة لحظها القانون الجديد الذي سيسجّله غسان مخيبر قريباً في المجلس النيابي ليناقش في لجنة الإعلام والاتصالات، ثمّ يطرح على التصويت في اللجنة، على أن يُرفع لاحقاً إلى الهيئة العامة للمجلس.
من تحديد موجبات مالكي وسائل الإعلام، إلى إلغاء عقوبة السجن ضدّ الصحافيين، مروراً بتنظيم مختلف القطاعات الإعلامية، يتناول القانون الجديد جوانب عدّة كانت غائبة عن قانون المطبوعات السابق. استغرق العمل على الصيغة النهائية للمشروع أكثر من عام، فتتالت الاجتماعات بين الجمعية ومخيبر، ومجموعة من الإعلاميين والقانونيين.
أبقى المشروع عبارات مطّاطة قد تسهم في التضييق على الإعلام
إذاً يطال اقتراح القانون وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية... ويقول المستشار القانوني للجمعية المحامي طوني مخايل إنّ العاملين على المشروع أخذوا في الاعتبار أهمية الشفافية في العمل الإعلامي. وانطلاقاً من هذه النقطة، حدّد القانون في بابه الثاني «موجبات مالكي وسائل الإعلام» بمختلف أشكالها. وينصّ هذا الباب على ضرورة تصريح كل وسيلة عن هويتها لناحية مالكها، وعنوانها، والمساهمين فيها، وغيرها من المعلومات الأساسية. كذلك يجب على مالكي المؤسسة الإعلامية التصريح عن كل ما يتعلّق بمصادرهم المالية، فـ«يمنع على وسائل الإعلام ومالكيها أن يستحصلوا على أي منفعة بطريقة غير مشروعة أو أن يستحصلوا على أي منفعة أخرى بهدف خدمة مصالح أي دولة أجنبية بما يتعارض مع المصلحة العامة...». أما طريقة ضبط هذه المواد، فقد حدّدها هذا الباب أيضاً، من خلال إلزام وسائل الإعلام بالتصريح عن كل هذه المعلومات سنوياً لسجّل خاص تنشئه وزارة الإعلام، ويكون مفتوحاً وفي متناول الرأي العام. طبعاً، قد يبدو البند المتعلّق بالتمويل والمداخيل طوباوياً بعض الشيء، وخصوصاً في لبنان، حيث تصرّ أغلب وسائل الإعلام على تمويه مصادر تمويلها.
أما الفصل الذي يعدّ من التعديلات البارزة في مشروع القانون فهو ذلك المتعلّق بإصدار المطبوعة الدورية. يلغي المشروع المرسوم الاشتراعي الرقم 74/53 الذي يسمح بوجود 45 مطبوعة دورية سياسية في لبنان. وينصّ القانون الجديد على السماح لأي شخص لبناني أو مقيم في لبنان بـ«أن يصدر مطبوعة صحافية دورية دون ترخيص مسبق ودون إيداع أي كفالة أو تأمين مالي...» (المادة 18).
أما المطبوعات غير الدورية كالمناشير والبيانات، فألغى القانون في مادته الـ28 رقابة الأمن العام عليها، وسمح بتوزيعها بحرية، شرط تسليم «القلم الإداري في مركز القائمقامية الذي يحصل في نطاقها النشر نسخة عن المنشور»، من دون أن يتمتّع هذا القلم بأي قدرة على منع التوزيع. ومن المطبوعات إلى الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة التي تخضع لأحكام القانون الجديد «باستثناء الأحكام الخاصة بتعريفها وشروط تأسيسها وعملها والإشراف عليها...». ويؤكّد مخايل أنّ إبقاء هذه النقطة تحديداً لا يعود إلى الرضى عن القوانين المعمول بها بل «بانتظار الورشة التشريعية التي سنقيمها قريباً».
وقد يكون التعديل الأبرز هو ذاك الذي يطال الإعلام الإلكتروني. فلا وجود في لبنان لأي قانون يعنى بوسيلة الإعلام هذه. وقد حرص القانون على التمييز بين المواقع التي تقدّم خدمات مهنية، وتلك التي تقدّم خدمات غير مهنية مثل مواقع التواصل الاجتماعي. وألزم القانون العاملين في الفئة الأولى على الالتزام بمواد القانون الجديد، فيما لا تنطبق هذه القوانين على أصحاب الفئة الثانية. أما في ما يخصّ جرائم المطبوعات، فألغى القانون عقوبات السجن وإمكان توقيف أي صحافي وإبعاد التوقيف والترهيب عنه، واكتفى بعقوبة الغرامة المالية الرمزية التي قد لا تشكّل برأي بعضهم رادعاً قانونياً كافياً. لكن تبقى بعض المواد التي تحتاج إلى تفسير أوضح، إذ إنّ عبارات مثل «التحريض على الكراهية وعلى العنف» مجرّد مفاهيم مطاطة، قد يستخدمها القضاء أو أي جهة للتضييق على الصحافي أو الوسيلة الإعلامية. والأمثلة لا تُعدّ ولا تحصى في لبنان. لكن طبعاً يبقى هذا المشروع بداية مشجّعة لبلوغ صيغة نهائية لقانون إعلام عصري في لبنان.


من هي «مهارات»؟

في 2004، قرّر صحافيون عاملون في «نهار الشباب»، بينهم رولا مخايل ووليد عبود وألين فرح... إنشاء جمعية تعنى بشؤون الإعلاميين في لبنان. ومع تطوير عملها، بدأت الجمعية تتلقّى تمويلاً من الاتحاد الأوروبي عبر برنامج «أفكار 2»، ثمّ أصبحت عضواً في «الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير IFEX». وعملت «مهارات» على إصدار تقرير سنوي عن حرية التعبير في لبنان بالتعاون مع الأونيسكو. لكن هل يترافق هذا التمويل السخي مع أي أجندة سياسية معيّنة؟ وهل صحيح أنّ الجمعية تحابي فريق 14 آذار على حساب فريق آخر؟ تنفي المديرة التنفيذية للمشروع رولا مخايل ذلك، مؤكدة أنّ عمل الجمعية يجري مع مختلف الأفرقاء.