strong>خليل صويلح «قدام باب السفارة الليل كان طويل» عرض خارج التصنيف: هل هو كباريه سياسي؟ أم مغناة استعراضية مستعارة من أرشيف الأخوين رحباني في السبعينيات؟ أشخاص يحتشدون أمام باب سفارة بانتظار الفيزا. وهنا، يستعيدون قصصاً متشابهة عن أسباب هجرتهم: البطالة والحرب والطائفية. هكذا، تُختزل بيروت بالتبولة و«لبنان يا أخضر حلو» من موقع تهكمي، وسط الحنين إلى زمن ريفي محمول على أغانٍ لبنانية قديمة. لعلّ العرض نفسه مكتوب وفق وصفة التبولة نفسها: مزيج من السخط والراب والدلعونا، من دون أن يتيح للشخصيات مغادرة المربع الأول للعرض. ويستعيد النص الهجرة اللبنانية الأولى مطلع القرن الماضي، كي يربطها بالهجرات اللاحقة، رغم اختلاف الظروف بين الهجرتين. فبيروت العشرينيات ليست الصورة النوستاليجية الخالصة مقابل بيروت اليوم. هذه المدينة بكل عيوبها، ستبقى جرثومة الديموقراطية الوحيدة في الجسد العربي. نستغرب طبعاً من فنانة مثل نضال الأشقر، وشاعر مثل عيسى مخلوف، هذا التشبث بفكرة وطن مغلق على أمجاد قديمة وأغاني الضيعة، في مواجهة هويات أخرى. الهجرة وفقاً لتوجهات العرض هي الشغف بصورة سياحية جاهزة تختصر المنفى المشتهى إلى مجرد «كارت بوستال». وإذا بالهجرة إلى أفريقيا تُختزل بشجرة البامبو، ونيويورك بالحمّى المالية، والخليج بالنفط. سنجد هذه التمثلات عبر شاشة عرض تحتشد برسوم توضيحية لتعزيز مقولات يتناوب ممثّلو العرض على شرحها برؤية فكرية واحدة. وهنا يتوضح المأزق، إذ تتلاشى خصوصية الشخصيات لمصلحة فكرة مركزية جاهزة.

تتلاشى الشخصيات لمصلحة فكرة مركزية جاهزة

هكذا يصير الزجل مساوياً للراب في خلطة استعراضية، تنأى عن مقترحات العرض المسرحي اليوم في اختبار أداء الممثل، وصوغ فرجة مبتكرة تواكب متطلبات اللحظة الراهنة. هل العرض نداء للتمرّد على دولة تنخرها الحروب والطائفية؟ حسناً. لكن أين اختفت صورة بيروت ملاذاً أخيراً لحرية التعبير والانفتاح مقارنة بجغرافيات عربية أخرى؟ وصورة لبنان بلداً يكابر على تمزقاته وينتصر على إسرائيل؟ شخصية المهاجر هنا لا تصل إلى مأزق معرفي يقودها إلى الهجرة، بقدر ما تنقل انكساراتها إلى المنفى بحمولتها النوستاليجية والطائفية، كأنه يلغي ضمناً معنى الوطن بالسخط وحده. بل إنّ النص لم يُخضع فكرة الوطن لتأويلات جديدة في ظل عولمة أفقدت هذه الفكرة مدلولها القديم. هل تعبت نضال الأشقر من الصراخ فوق الخشبة، فأعارت حنجرتها لجيل من الهواة كي يكملوا الدرب؟ أم هي استراحة محارب وسط فوضى المسرح اللبناني وانخراطه في التجريب؟ أم تراه حنيناً إلى الزمن المفقود، دفعها إلى كتابة هذه المرثية لبلد ومسرح، وتهجو جيلاً أضاع حياته «قدام باب السفارة»؟