سناء الخوري«لوحات هذه المجموعة تحكي تفجيرات السيارات بصفتها نُصُباً للدمار، ومنبِّهات للذاكرة. إنّها شواهد صامتة على جروح المدينة». هذا ما كتبه صلاح صولي في نصه التقديمي لمعرضه الفردي البيروتي الأخير «سجلات المدينة» Chronicle of a city (الصورة تفصيل من لوحة «آذار 1983»، 120×100 ــ زيت على كانفاس).
المعرض الذي استضافته «غاليري أجيال» في بيروت أخيراً، يضعنا أمام البعد «الأركيولوجيّ» (بحسب تعبير الناقد الألماني ستيفان راشي)، في مسيرة هذا الفنان اللبناني المقيم في برلين. من خلال 22 لوحة زيتيّة، يكدّس صولي سيارات مقلوبة ومحطّمة، على خلفيّة رماديّة. مشاهد غرفها من المخيّلة العامّة، وعنونها بتواريخ مبهمة، هذه «نيسان/ أبريل 2006»، وتلك «أيلول/ سبتمبر 2007»، أو «آذار/ مارس 1983».
إلى جانب المساحة المخصصة لغابة الحديد المبعوج، يرسم صولي غابات أخرى، هادئة. غابات من قصب، وعشب، ومستنقعات. بموازاة الرمادي القاتم، نجد مساحات خضراء، وصفراء، وحمراء... زحمة ألوان حيّة، تنقل مزاجاً من الصفاء، يتناقض تماماً مع أمزجة نهاية العالم، في لوحات العربات المعطوبة. الموازاة بين ذاكرتين بصريتين ليست بريئةً هنا. كأنّ صولي يستدعينا إلى قافلة من التأويلات: السيارات تشبه اللعب الصغيرة، لكنّها ليست لعباً. تلال الحديد تشبه الطبيعة الميتة، لكنّها مثقلة بندوب وانطباعات لا تخلو من القسوة.
ينتزع صولي صورة السيارة المفخخة من سياقها التأريخي. اللمسة الواقعيّة ليست باردة وحياديّة إلا في الشكل. العطب المادي الظاهر إحالة إلى بعد نفسي مواز: ذاكرتنا المشبعة بقلق الصور المشابهة لما نراه في اللوحات. من دون أن يذكر أحد اسم تلك المدينة، فإن قدرة اللوحات الإيحائية كافية لندرك أننا أمام مشاهد بيروتيّة. كأنّ السيارة المفخخة أو المقلوبة، صارت أسطورة مؤسسة للذات اللبنانية. كأنّها بالفعل جزء لا يتجزأ من سجل هذه المدينة الدامي. يأخذ صولي هنا دور الشاهد والراوي في آن. كأننا كنا بحاجة إلى إشاراته لندرك كيف تحوّلت دواليب الكاوتشوك إلى جزء حقيقي من المساحة العامّة، ومن ذاكرتنا الجماعيّة. أهميّة هذا المعرض تكمن أيضاً في قدرة هذا الفنان على أن يستحضر، من خلال تفاصيل عاديّة، قدراً مذهلاً من التراكمات السياسية والتاريخية والبصريّة.