خطّ دفاع روحي في زمن الاحتلالعمان ـــ أحمد الزعتري
بعد 50 عاماً من ممارسة الفن، تبدو لوحات العراقي رافع الناصري أكثر شباباً. إخلاصه للتجربة التي بدأها في الستينيات ضمن ثورة تشكيليّة أسّست لمشهد عراقيّ فنيّ ثريّ، لا تزال تحمل مواصفات التجديد، ولا يمكن اعتبارها حتى اليوم لوحةً تقليديّةً.
لأول مرة منذ ستّ سنوات في عمّان مقرّ إقامته، يقدّم الناصري (1940) معرض «ما بعد الزمن» في «غاليري نبض». ورغم كل محاولاته للتذكير بسبعينيته، وإحالات عنوان المعرض وتقديمه بقوله «في الغربة ومع تقدّم سنوات العمر، يتداخل الزمن تلقائيّاً بين ماض وحاضر، قديم وحديث»، تبقى لوحة الناصري طازجة، مسكونة بتقنيّات المعاصرة، إضافة إلى التعبير المينمالي بدرجة أقرب من التجريد.
تقسم لوحات المعرض الثلاثين التي أُنجزت في السنتين الأخيرتين إلى مجموعات: «ما بعد الزمن»، و«ابن زيدون»، و«باب اليمن»، ومجموعات لكل من المتنبي، ومحمود درويش، وإيتل عدنان، ورفيقة دربه مي مظفّر.
كتاب عن حياته وفنّه من تأليف صباح الناصري ومي مظفّر
في المجموعة الأولى «ما بعد الزمن»، تقترب اللوحات المشغولة بالإكريليك على القماش بقياسات واحدة (180 × 180 سنتم) من الشغل على الأثر. أثر اللون، وأثر التجريد، وأثر الإنسان، وبقايا خطّ عربيّ. في لوحة من دون عنوان ضمن المجموعة، يُترَك اللون الأحمر على ثلاثة أرباع اللوحة حرّاً ونظيفاً، بينما يشتغل الناصري على ربع اللوحة، ببقايا اللون الأحمر نفسه، وبقايا حرف عربيّ تحوّل إلى رمز، وبقايا عظام، وبقايا نبتة خضراء، وخطوط مستقيمة معماريّة. بينما تختلف مجموعة «باب اليمن» (مواد مختلفة على ورق ــــ قياس 40 × 40 سنتم) عن الأولى لناحية وجود مركز للوحة، وهو الباب. الأبواب في هذه المجموعة بالية، لكنها معتّقة بنسيجها الخشبيّ، والفراغ حولها باهت وقاس. يربط الناصري طبيعة اللوحة بحالته النفسيّة: «منذ 2003 تبلورت حالتي النفسية باتجاه اختراع خطوط دفاع عن نفسي وعن وطني ضد المحتلّ، وضد الهجمة العالميّة التي أخذت أعزّ ما نملك، وتركت العراق في حالة تدهور وتلاشٍ. تركت العراق الذي أحبّ أن يضمحلّ». لكن ما أنقذه، على حد تعبيره، هو الشِّعر: «ساعدني الشعر في التعبير عن الإنسان والوطن، عن هذه الأساسيات في الحياة والفن».
هكذا اختار الناصري قصائد ذات طبيعة واحدة، فللمتنبّي البيت الشعري: «بم التعلّل لا أهلٌ ولا وطنُ»، ولابن زيدون: «إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا»، ولمحمود درويش: «لوصف زهر اللوز»، ولإيتل عدنان: «مكتبة أضرمت بها النار»، ولمي مظفّر مقاطع من كتابها: «تلك الأرض النائية».
في هذه المجموعة، يستكمل الناصري ما بدأه قبل سبع سنوات في توريط الخطّ العربيّ بالشِّعر الذي يعدّ من رواده. وما يميّز تجربته أنه تحوّل من استخدام الخطّ العربيّ كأيقونة، إلى استعماله عنصراً يؤثّر في العالم خارج اللوحة أيضاً. في مجموعة «ابن زيدون»، استخدمت تقنيّة الطباعة على الحرير والحفر على الزنك والكولاغراف لتأويل اللوحة بالصور. ثمة صورة يمكن أن نحيلها إلى ولّادة بنت المستكفي تحمل عوداً، ومستنسخة بأحجام مختلفة على اللوحة بمقاس 56 × 56. وللاحتفاء بهذه التجربة، حوى المعرض أيضاً أول كتاب توثيقي للفنان «رافع الناصري: حياته وفنه» من تأليف صباح الناصري ومي مظفّر. هذا الكتاب ربّما تأخر كثيراً بسبب اعتقاد الفنان أنه دائماً بصدد اكتمال التجربة، مبدياً دهشته لوصوله إلى سنّ السبعين: «كنا نعتقد بوصولنا إلى سنّ الخمسين أن التجربة الفنيّة ستكتمل. لذلك، كنت أؤجل إصدار كتاب توثيقيّ. والآن وقد بلغت السبعين، أعتقد أنني ما زلتُ قادراً على الإضافة إلى منجزي الخاص».
يذكر أنّ المعرض الأردني يتزامن مع احتفاء «غاليري ميم» في دبي بالفن العراقي، من خلال معارض تشكيليّة جماعيّة لأجيال الفنانين المختلفة تحت اسم «الفن العراقي اليوم».

حتى أول كانون الأول (ديسمبر) المقبل ـــ «غاليري نبض» ـــ عمّان (الأردن). للاستعلام: +96264655084
www.nabadartgallery.com