محمد خير «إنه رضا إدوارد، الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة جريدة «الدستور». ذلك العفريت الذي خرج من القمقم استمد شهرته الأولى من كونه صاحب مدارس BBC الدولية، قبل أن يمد قدمه إلى داخل الحياة السياسية عام ٢٠٠٠ بالانضمام إلى حزب «الوفد» العريق». لم تكن هذه الكلمات مقدمة لبرنامج دعائي يموله الرئيس الحالي لجريدة «الدستور» المصرية، بل كانت مدخلاً لـ «تقرير» نشرته «المصري اليوم» منذ احتدام أزمة إقالة رئيس تحرير «الدستور» إبراهيم عيسى، وصولاً إلى إطلاق موقع «الدستور الأصلي» من جانب صحافيي «الدستور» ممّن رفضوا الإدارة الجديدة. عمدت منافستهم الأولى «المصري اليوم» إلى استقاء أخبار الأزمة من طرف وحيد هو الإدارة الجديدة لـ «الدستور». لم يكن سؤال المهنية وارداً لحسم الحرب المحتدمة منذ سنوات. اليوم، خلال الأزمة التي أوضحت هشاشة الأرض التي كسبها الإعلام الخاص في السنوات الأخيرة، بدت الصحف تتحسس مكانتها في ظل مستقبل غير معلوم. صمت البعض، واعتصم آخرون بالحياد متخفّين وراء «الموضوعية»، بينما انتهز منافسون أزمة «الدستور» ليوجّهوا إليها الضربة الأخيرة، ولو كان بنشر أخبار كاذبة. وسط هذا، تحاول الصحافة المصرية، التي احتلت الصحف الخاصة صدارة مشهدها في السنوات الأخيرة، أن تجيب عن أسئلة صعبة تقع في قلبها علاقة رأس المال بالصحافة. في تغطيتها لأزمة «الدستور»، حاولت كل صحيفة تلبية متطلبات صحافية وسياسية، في فترة لا أحد يعرف إلى أين تمتد ظلمتها، إلى ما بعد انتخابات البرلمان نهاية الشهر؟ أم إلى ما بعد انتخابات الرئاسة نهاية العام المقبل؟ أم أن الضغوط على الإعلام صارت قراراً نهائياً؟

خلال تغطيتها أزمة «الدستور»، حاولت كل صحيفة تلبية متطلبات مهنية وسياسية مختلفة


«الشروق» ـــــ الرقم الثالث في سوق الصحافة الخاصة بعد «المصري اليوم» و»الدستور» ـــــ بدا تعاطفها واضحاً مع صحافيي «الدستور» ضد عملية الكوماندو التي جرى بها شراء الجريدة وإقالة هيئة تحريرها. بدت مقالات مديري التحرير وائل قنديل وعماد الدين حسين تعويضاً عن المساحة الإخبارية المحدودة التي منحتها الجريدة لأزمة تهدّد مستقبل الصحافة المصرية. كانت معادلة «مقالات ساخنة ـــــ تقارير باهتة» حلّ «الشروق» لحفظ أمانها في المرحلة المضطربة، وهو حل ـــــ مهما كانت الملاحظات عليه ـــــ وضعها في صورة فائقة المهنية مقارنةً بـ«المصري اليوم».
تغطية «اليوم السابع» انسجمت مع أدائها الإخباري لناحية سرعة مراسليها وملاحقتهم أطراف الأزمة، رغم أنّ كتّاب الموقع لم يتورطوا في اتخاذ موقف. بينما تميزت «بوابة الأهرام الإخبارية» بتغطية هادئة ومهنية مستهدفة، متحررةً من طرفي الأزمة (المعارضة) ولو ظاهرياً. أما صحيفة «الوفد»، لسان حال الحزب، فصمتت تماماً، في محاولة منها لتصوير الأمر على أنه «بيزنس» خاص برئيس الحزب السيد البدوي وشريكه رضا إدوارد. لكن صمت «الوفد» دفعها إلى مزيد من النسيان في سوق صحافية تبحث الآن في شرعية العلاقة بين رأس المال وضمير المهنة.