اكتفت حلقة النقاش التي دعت إليها منظمة «أطباء بلا حدود»، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، تحت عنوان: «ما هو دور المنظمات الإنسانية في تشكيل السياسة العالمية؟ استكشاف تصوّر وتأثير منظمة أطباء بلا حدود في بلدان التدخل»، بالإجابة عن الشق الثاني فقط، ما حمل طابعاً دعائياً للمنظمة، بغض النظر عن أهمية الدور الذي تؤديه، أو الأخطاء التي ترتكبها. لا شك في أن النقد الذاتي، الذي قامت به المنظمة من خلال كتاب «في عيون الآخرين»، يستحق التوقف عنده، مع تداخل عمل المنظمات الإنسانية وطغيان الظل السياسي عليها. نقدٌ أرادت المنظمة من خلاله معرفة صورتها في عيون الذين تتوجه إليهم وتساعدهم. بدأت الفكرة بالتبلور بعد اغتيال خمسة أعضاء من المنظمة في حزيران عام 2004 في أفغانستان، وشعور المنظمة بأنها ترسل أحياناً رسائل متناقضة إلى المجتمعات التي تعمل معها. على سبيل المثال، كانت «أطباء بلا حدود» قد بدأت تنفيذ أنشطة طبية في جمهورية الكونغو الديموقراطية، قبل أن تخوض بعثة الأمم المتحدة عمليات عسكرية لنزع سلاح الميليشيات، وتلجأ إلى استخدام سيارات رباعية الدفع بيضاء على غرار تلك التي تستخدمها المنظمة، ما خلق التباساً لدى السكان بين الاثنين. فقررت المنظمة إعادة طلي سياراتها باللون الأرجواني!
انطلق المشروع من مبدأ الاستقلالية التي تتمتع بها المنظمة، كما تقول، وتعرّض هذا المبدأ لزلزال عنيف بسبب المبادرات التي أطلقتها دول ومنظمات دولية استخدمت العمل الإنساني وسيلة لتحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها. وتحدثت رئيسة وحدة البحوث في منظمة أطباء بلا حدود في جنيف كارولين أبو سعدى، في مداخلتها عن فحوى الكتاب، لافتة إلى أن «فهم تصورات الآخرين مهم في عالم متغير يشهد إعادة تحديد علاقات القوى والسياسات الاجتماعية العامة، وتداخلاً متعمداً بين العمليات الإنسانية والعسكرية، ومحاولات تغيير الهدف الأول للعمل الإنساني من قبل جهات فاعلة جديدة».
على الأرض، هكذا ظهرت النتائج: أطلق البعض على المنظمة لقب «أطباء بحدود». في البرنامج الغذائي الخاص الذي نفذته المنظمة في بمغاريا (جنوب النيجر)، كان 70 في المئة من الأطفال ينحدرون من شمال نيجيريا، ولم يفهم عدد كبير من المستجوَبين المنطق وراء إنشاء برنامج غذائي في النيجر فقط. أما في الكاميرون، فقد أثنى السكان على « الطريقة الصينية» (سكن عمال الصحة الصينيون في أماكن قريبة من الموقع الذي كانوا يشيدونه، فيما اختار العاملون في المنظمات غير الحكومية العيش في أحياء مفرطة في تدابير الحماية). لم يفرّق بعض المستجوبين بين MSF (أطباء بلا حدود) و MNFI (القوات المتعددة الجنسيات في العراق).
تعكس هذه الأمثلة صورة الواقع، وتساعد المنظمة على تفعيل ثلاثية «الاستقلالية وعدم التحيز والحياد» التي تعتنقها. في الوقت نفسه، تكشف جانباً آخر من الانحياز. ثغرةٌ بدا الأستاذ في علم الأنثربولوجيا والصحة العامة في الجامعة الأميركية، عمر الديواشي، ممسكاً بأطرافها، وإن كان رأيه وجهة نظر. خلال مداخلته، قال إن مجرد اختيار مكان دون آخر لتقديم المساعدة هو انحياز بحد ذاته، وينطلق من أبعاد سياسية. طرح نظرة أكثر واقعية وأقل عاطفية، لافتاً إلى أن التدخل العسكري يصنّف أحياناً عملاً إنسانياً، ليطرح البعد الإنساني الحقيقي لأي تدخل. وتساءل عن التدخل الإنساني الذي تقوده بعض المنظمات بسبب تقصير الدولة، والمعنى الحقيقي لإنقاذ الأرواح، وماذا يحل بها بعد إنقاذها؟
أجابه المدير العام للمنظمة، برونو جوشوم: نقصد بعدم الانحياز والحياد عدم الدخول مع طرف ضد آخر في الحرب، لكن تبقى الأسئلة: ما هو دور المنظمات الإنسانية في تشكيل السياسة العالمية؟ وهل العمل الإنساني بحت إنساني؟