«تسعيرة بطاقات السّفر وتفصيل الرسوم والضرائب والإجراءات العملية لزيادة التنافسية»... يمثّل هذا العنوان محوراً أساسياً في أيّ استراتيجيّة يعتمدها أيّ بلد يسعى إلى تحفيز قطاعه السياحي، ولهذا يكتسب في لبنان، حيث يقوم الاقتصاد على الخدمات بهوامش كبيرة، أهميّة خاصّة، وتحديداً في ظلّ الثُّغر التي تتحوّل إلى ألاعيب احتياليّة ترتّب أعباءً على المسافرين. يطرح وزير السياحة فادي عبّود الموضوع من بابه الواسع لكي تتسنّى معالجة تفاصيله وتعقيداته، التي لا ينتبه إليها المسافرون (سياحاً كانوا أو مهاجرين). فالقضيّة تتعلّق بكيفيّة تركيب سعر تذكرة السفر، حيث تستغلّ الشركات مظلّة الضرائب والرسوم، وحتّى تدوير المبالغ، لتحصيل أموال لمصلحتها من دون أيّ منطق.
وقد شرح عبّود هذا الأمر خلال مؤتمر صحافي عقده أمس، خصّصه للإجراءات التي اتخذتها الوزارة أو تنوي اتخاذها «لتعزيز دور لبنان كوجهة سياحية ومن أجل استقطاب المزيد من السياح عن طريق زيادة التنافسية في القطاع السياحي».
وأوضح عبّود أنّ بعض شركات الطيران الأجنبية، عن طريق مكاتب السفريّات التابعة لها، تتعاطى أعمال السفر والنقل، ولا سيما بيع تذاكر وتأمينها أو إصدار سندات تقوم مكانها، ولا ضير في ذلك، لكن «دأبت بعض هذه الشركات من خلال إعلانات غير واضحة على الترويج لأسعار بطاقات سفر لا تتضمن الرسوم والضرائب»، وعوضاً عن ذلك «تستوفي مبالغ تحت عنوان ضرائب ورسوم، وهي في الواقع تعود إلى الشركات ولا علاقة لها بالضرائب الرسمية المنصوص عنها في القوانين، إضافةً الى عمليات تحويل من عملة أجنبيّة إلى الليرة اللبنانية يجري تدويرها لمصلحة الشركة».
وبهدف الإيضاح، عرض فادي عبود لمثال تذكرة سفر بيروت/ لندن: تبلغ كلفة هذه التذكرة على المستهلك 626 دولاراً: الكلفة الرئيسيّة 306 دولارات، فيما الضرائب، وفقاً لما تعلنه الشركة، تبلغ 320 دولاراً، أي أكثر من 51% من السعر، لكن هل الضرائب كلّها ضرائب؟
يتشكّل المكوّن الضريبي من التالي: أوّلاً، 4 دولارات عبارة عن ثمن إصدار تذكرة السفر (ويُرمز إليه بـ«YL»)، لكن في الحقيقة فإنّ الشركات منذ حوالى 5 سنوات أضحت مؤتمتة كلياً بمعنى أنّ المستهلك يحصل على البطاقة الإلكترونيّة لا البطاقة التقليديّة شبه الإلكترونيّة.
ثانياً، 34 دولاراً عبارة عن رسم المغادرة من مطار بيروت (يُرمز إليه بـ«LB») وهو مكوّن ضريبي فعلاً، لكن يجب أن يكون 50 ألف ليرة فقط، أي 33.33 دولاراً. ما يعني أن الشركة تدوّر الرقم لمصلحتها دوماً، يقول فادي عبود.
ثالثاً، 4 دولارات أميركيّة هي ضريبة صحيحة يُرمز إليها بـ«VL»، غير أنّها يجب أن تكون 3.33 دولارات، ما يعني أن الشركة تسرق لمصلحتها 0.67 دولار. لكن السخرية في هذه الضريبة هي أنّها كانت مخصّصة، بموجب مرسوم صدر بعد الحرب، لبناء المدينة الرياضيّة. «لكن حتّى بعد بناء مدينة في بيروت وأخرى في صيدا، لا تزال تُجبى الضريبة» يوضح نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود.
رابعاً، 93 دولاراً عبارة عن رسم مغادرة من المطارات البريطانيّة (GB) «لكن من غير المعلوم سعر التحويل المعتمد، وخصوصاً أنّ العملة في بريطانيا هي الجنيه الاسترليني» يوضح فادي عبود.
خامساً، 35 دولاراً هي خدمة المسافر (UB)، وهي ليست ضريبة، وبالتالي لا ينبغي تصنيفها كذلك.
سادساً، 150 دولاراً عبارة عن الثمن الإضافي للوقود (YQ)، وهنا المسألة مضحكة فعلاً! فبحسب الوزير تتقاضى إحدى الشركات 150 دولاراً كلفة «YQ» لرحلة باريس/ بيروت/ باريس، فيما الكلفة لرحلة باريس/ الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة/ باريس (أي إلى مطار تل أبيب) تبلغ 82 دولاراً، أي حوالى النصف! ويُشار إلى أنّ هذا المبلغ فُرض من جانب الشركات في عام 2008 حين ارتفعت أسعار النفط، لكن «يجب أن يكون السعر مدموجاً بالتركيبة الأساسيّة للسعر لا بجدول خاص»، بحسب جان عبّود.
وإضافةً إلى هذا التسعير الاحتيالي، رصدت الوزارة خلال مراحل وضع استراتيجيّتها التنافسيّة اصطفافاً موحّدا غير معلن للأسعار بين شركات من المفترض أن تكون تعمل ضمن قواعد التنافسية، لكنّها لا تقوم بذلك.
وفي هذا الصدد، قال الوزير عبود إنّ جميع الشركات العاملة في لبنان تستوفي الثمن الإضافي نفسه للوقود (YQ)، كذلك فإنّ ثمن بطاقة السفر لدى شركة واحدة انطلاقاً من بيروت يختلف عن ثمن بطاقة السفر انطلاقاً من العاصمة المقصودة لدى الشركة نفسها. مثال: سعر تذكرة «لارنكا/ بيروت/ لارنكا» يبلغ 264 دولاراً، فيما سعر تذكرة «بيروت/ لارنكا/ بيروت» يبلغ 147 دولاراً، أي إنّ الفارق يبلغ حوالى 80%! وهو وضع يجعل المجيء إلى لبنان غير تنافسي بطبيعة الحال.
قانونياً، ترتكز الوزارة في البحث الذي تقوم به، والسعي إلى تحسين الوضع على المستهلكين، وعلى القطاع عموماً، إلى المادّتين 81 و82 من الدستور وإلى قانون حماية المستهلك. كذلك ترتكز إلى قانون المنافسة الصادر بموجب مرسوم في عام 2007، مع التشديد على أهميّة إقرار مشروع قانون المنافسة الذي يرقد في الأدراج منذ سنوات، ومن شأنه أن «يزيد التنافسية ويحمي الاقتصاد» وفقاً للوزير عبّود.
ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ لبنان وقّع اتفاقيّة «الشراكة مع الاتحاد الأوروبي» فإنّ عليه احترام مبادئ المنافسة الحرّة التي تفرضها، وتتعلّق أساساً بحرية الاختيار وحرية الأسعار وعدم تضليل المستهلك.
وفي هذا السياق يذكر فادي عبود قضيّة الخلل في مبادئ التنافس على صعيد الهاتف الخلوي في الاتحاد الأوروبي، التي أدّت إلى تسديد الشركات غرامات وصلت قيمتها إلى 100 مليون دولار.
ولمعالجة أوجه الخلل المذكورة، راسلت وزارة السياحة وزارتي المال والاقتصاد والتجارة (مديريّة حماية المستهلك) وهيئة القضايا في وزارة العدل، وأصدرت تعميماً نبّهت فيه إلى التجاوزات غير القانونيّة... وكان تحذيرها واضحاً أمس: إذا لم تُحلّ المسائل فسيُلجَأ إلى القضاء.



15%

نسبة الزيادة في رسم المغادرة من مطار بيروت مقارنةً ببلدان أخرى في المنطقة، بحسب نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود. ما يزيد من ضعف التنافسيّة اللبنانيّة، فيما يجب تقويتها مع وصول عدد السياح إلى 2.1 مليون نسمة في عام 2010



قضيّتان مهمّتان للتنافس

إلى جانب مسألة تذاكر السفر والممارسات المثيرة التي تشوب تركيبها، تطرّق الوزير فادي عبود إلى قضيّتين مهمّتين في إطار تعزيز التنافسيّة السياحيّة. الأولى هي «عدم استغلال القاصرين في أيّ نشاط أو مؤسسة سياحية»، وفي هذا الصدد شدّد على الصرامة في تطبيق المرسوم 12222 الذي يُمنع بموجبه من لم يُنهِ الثامنة عشرة من عمره من دخول الملاهي الليليّة. أمّا الثانية، فهي تكليف شركة «Bureau Veritas» بتصنيف المؤسّسات السياحيّة، وهي أساسيّة للمؤسّسات العائلية التي لا تتمتّع بتصنيف عالمي، بحسب نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر.