كل في موقعه الصحيح. الهيئات الاقتصادية التي تمثل نخبة الأثرياء من أصحاب العمل تعادي تصحيح الأجور في القطاع العام وتصحيح سلسلة الرتب والرواتب. نحو نصف الوزراء هم أصحاب مصانع ومصارف واستثمارات كبرى، وهؤلاء كانوا لسان حال الهيئات الاقتصادية في جلسات مجلس الوزراء، فشُغلوا بزيادة رواتبهم إلى الضعف، ليعتبروا أن زيادة راتب المعلم والموظف ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد. انحاز القرار الحكومي الغالب إلى الهيئات. النواب متمترسون خلف رؤساء كتلهم، الرؤساء الذين يملكون الوزراء والنواب، وموقع هؤلاء لا يحتاج إلى شرح واستفاضة. الاتحاد العمالي العام هائم في بياناته الاستنكارية التي لا تُصرف في شارع الرفض والضغط، بعدما أعلن منذ أشهر خلت شراكة «تاريخية» مع الهيئات الاقتصادية في ملف تصحيح أجور موظفي القطاع الخاص وعماله.
ماذا ينقص هذه الصورة؟ طبعاً رجال الدين. ما موقف هؤلاء؟ ليس بالعجيبة معرفة أن رجال الدين يمالئون الأثرياء. أعلنوا موقفهم الواضح أمس في «القمة المسيحية ــ الإسلامية»: «نؤيد نداءات الهيئات الاقتصادية والصناعية وتحذيراتها من الأخطار المحدقة». وقد أطلقت الهيئات آخر «النداءات» أمس، معلنة رفض سلسلة الرتب والرواتب من أساسها، «وإن لم يقتنع الرؤساء الثلاثة بسحبها، فسيكون للهيئات موقفها التصعيدي في الأيام المقبلة». ويؤكد متابعون للملف أن رفض الهيئات للسلسلة أساسه رفض السلة الضريبية التي ستمول السلسلة، والتي تطاول أرباحهم وثرواتهم العقارية والريعية.
موقف رجال الدين لاقى تهليلاً منطقياً من الهيئات الاقتصادية أمس؛ إذ علّق رئيس غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير قائلاً: «إننا نعوّل على معجزة إلهية لإنقاذ الاقتصاد الوطني، لأن الحكومة في رأيي باعت الملف الاقتصادي». وها هي الشراكة تتحقق واقعاً، ليعلن شقير «دعوة القمة الروحية إلى مشاركة الهيئات الاقتصادية في القمة المقبلة». وقال: «رحّبت شخصياً بهذه الدعوة، وآمل في إلهام إلهي يهدي الجميع».
أما هيئة التنسيق النقابية، فأكدت عبر عدد من المنضوين فيها أن هذه القمة أدت إلى تسريع انعقاد اجتماع هيئة التنسيق يوم غد، بحيث سيُعلَن موقف ضد التحالفات الحاصلة. ووصف رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، موقف القمة بشأن الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية بأنّه يدعم بصورة علنية توجهات الهيئات الاقتصادية. ولفت إلى أن الاجتماع المقبل للهيئة سيخصص لمناقشة اقتراحات بشأن أشكال التحرك وستوصى كل هيئة ببحث الاقتراحات وإقرارها بخطوات ملموسة. هكذا، «أصبحت السلسلة محاصرة، بقررات دنيوية مرتبطة بمصالح الفئة الاجتماعية الأولى التي تملك المال والسلطة، وبقرارات إلهية تدعم وترفض كيفما تقتضي مصالح الفئة الأولى» وفق أحد النقابيين. وبين الأرض والسماء، لا يزال مصير سلسلة الرتب والرواتب ضائعاً. فقد انتهت جلسات مجلس الوزراء لبحث «تمويل» سلسلة الرتب والرواتب. وزير المال قدم لائحة من اقتراحات التمويل، كذلك فعل رئيس الحكومة، فيما تولى عدد من الوزراء تنظيم «جوقة» لرفض السلسلة من أساسها. يشرح أحد الوزراء أن بند طابق الميقاتي لن يمر، فهو لقي رفض التنظيم المدني وعدد من المهندسين الذين استُشيروا. يلفت الى أن سفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيحول دون الوصول الى نتائج نهائية حول خيارات تمويل السلسلة قبل الاسبوع الأول من الشهر المقبل. فالجلسة المقبلة للحكومة من المفترض أن تعقد في 3 تشرين الأول، والى حينها لا يوجد قرارات واضحة «الا اذا اتفقوا على الحلول في الاتصالات الجانبية كما يحدث عادة»، يقول الوزير.
ووفق أوساط نيابية، فإن مصير السلسلة غير واضح المعالم حتى الآن. «ما اتُّفق عليه هو تقسيط السلسلة، أما خيارات التمويل فلا تزال غير محددة». وبين التأكيد والتمييع، يذهب البعض الى أبعد من مجلس الوزراء، فمن المتوقع أن تلقى السلسلة معارضة شرسة في مجلس النواب، بسبب ضغوط الهيئات الاقتصادية ومصالح عدد كبير من النواب. ويتوقع البعض أن تستمر المماطلة «أشهراً لا أسابيع».
هذه المواقف تأتي في ظل تهديد هيئة التنسيق النقابية بالعودة مجدداً إلى الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات، وتعطيل مؤسسات القطاع العام إذا لم يُصحَّح مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب بما يتوافق مع بنود الاتفاق مع اللجنة الوزارية الموسعة ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. الهيئة لم تحدد حتى الآن تاريخاً دقيقاً لبدء تحركها، وإن كانت قد أمهلت في مؤتمرها النقابي الأخير المسؤولين 10 أيام قبل إعلان الخطوات التصعيدية (بدأ العدّاد لاحتساب الأيام منذ يوم الخميس الماضي في 20 أيلول). بذلك، تطالب هيئة التنسيق بإرسال مشروع السلسلة إلى مجلس النواب في حد أقصى يوم السبت المقبل، أي قبل موعد الجلسة المقررة للحكومة بثلاثة أيام. ومع استحالة القيام بهذا الإجراء، يصبح تحرك هيئة التنسيق واقعاً لا محالة، الا في حال تمديد فترة تنفيذ التهديد الى ما بعد الجلسة الحكومية. ورداً على تساؤلات عن إمكان الضغط على الهيئة لعدم القيام بتحركات، جدد غريب التشديد على الوحدة بين كل مكونات هيئة التنسيق، وخصوصاً أن رؤساء الهيئات المنضوية تحتها أعلنوا النزول إلى الشارع إذا لم تقر السلسلة، ولن يتراجعوا عن هذا الموقف. أما هدف التحرك فإقرار السلسلة من دون تقسيط وتظهير المفاعيل السلبية لهذا التقسيط على الرواتب والمداخيل، وتعديل قيمة الدرجة وإنصاف المتقاعدين والمتعاقدين والأجراء، والرد على الهجمة التي تستهدف السلسلة من أرباب العمل وأصحاب المؤسسات التربوية وبعض المسؤولين والمرجعيات السياسية، للتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم وعدم توفير الإيرادات المطلوبة للسلسلة المجمّدة منذ عام 1996 وارتفاع الأقساط المدرسية.
ويتزامن تلويح هيئة التنسيق النقابية بتجديد تحركاتها مع العام الدراسي في المدارس الرسمية الذي انطلق يوم أمس، مع بدء الدراسة في بعض المدارس الخاصة، على أن يطاول جميع المدارس في مطلع الشهر المقبل. ليصبح السؤال: هل تشهد الانطلاقة هذه وقفاً للتعليم في المدارس الرسمية والخاصة بعدما استعاد المعلمون ورقة الضغط هذه؟



40 في المئة

نسبة التضخم التي يتوقعها الخبير الاقتصادي كمال حمدان خلال السنوات الأربع التي ستشهد تقسيط سلسلة الرتب والرواتب، ما يعني أن التضخم سيأكل الزيادات الحاصلة



1600 مليار ليرة

كلفة سلسلة الرتب والرواتب، فيما الحكومة قدرت النفقات الإضافية بأكثر من 13 ألف مليار ليرة. وتقول هيئة التنسيق إن الحكومة تستغل السلسلة لفرض الضرائب والرسوم على المواطنين



الإضراب خيار

يؤكد رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض أن هيئة التنسيق ستعقد جلسة يوم الأربعاء المقبل لتحدد آلية تحركاتها المقبلة، وهي تشمل طبعاً الإضراب، أي وقف التدريس. يقول: «لن تفيد الضغوط السياسية على وقف التحركات، فهيئة التنسيق موحدة في قراراتها بعيداً عن كل المواقف والتمنيات السياسية».