وادي السَّلام اسمٌ للوادي الكبير الواقع بالجانب الشمالي الشرقي من مدينة النجف في العراق. وهذا الوادي هو مقبرة من أكبر المقابر في العالم، ويضمّ رفات ملايين المسلمين ومئات العلماء والأولياء والقادة السياسيين وشخصيات اجتماعية بارزة. وهو، على سعته، جزء من المقبرة التي تجاور ضريح الإمام علي بن أبي طالب، وقبور عدد كبير من الأنبياء مثل آدم ونوح وهود وصالح، كما تفيد الروايات التاريخية.
وقد أضيفت المقبرة إلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي قبل عام تقريباً.
للبنان حصّة من هذه المقبرة، مخصصة لأهالي «جبل عامل»، أو لبعض العائلات وحتى القرى. وتعود أوّل جنازة لبنانية نقلت للدفن في النجف إلى عام 1964، وهي للشيخ محمد تقي صادق، كما يقول الشيخ سلمان الخليل الذي يعدّ من أوائل الذين تكفّلوا بهذه المهمة. وقد أسّس لاحقاً «حملة الخليل لزيارة العتبات الدينية في العراق»، التي يدير شؤونها ابنه الحاج بلال. يبدأ الأخير حديثه بشرح دوافع الناس ورغبتهم في الدفن هناك، فيقول إن الروايات الواردة عن النبي محمد وأهل بيته هي السبب المباشر وراء هذا الاندفاع؛ «فمقبرة وادي السلام هي مصير من ينشد السلام في الآخرة، وروي عن بعض الأئمة أنه ما من ميّت يموت في شرق الأرض وغربها إلا وقيل لروحه الحقي بوادي السلام، ولأن قبر الإمام علي موجود بها كما تؤكد الروايات، كان للناس رغبة في الحصول على شفاعته وجواره لتخفيف ذنوبهم».
وعن الفئات التي توصي بالدفن في النجف، يقول بلال إنها لا تقتصر على أبناء الطائفة الشيعية فقط، بل «تأتي الجثامين من دول جنوب شرق آسيا والهند وباكستان وإيران ودول الخليج العربي وعامة مناطق العراق إلى المقبرة، ولا فرق بين غني وفقير، بل إن هناك من يقوم بادخار المال للحصول على المثوى الأخير في هذه الأرض». ويلفت إلى أن «القبور أصبحت متوافرة أخيراً بعدما اشترى بعض العلماء أراضي وجعلوها وقفاً لمن يرغب في الدفن هناك، لكن العائق يبقى في تكاليف السفر والنقل»، كاشفاً أن والده، وعمه الشيخ جعفر، اشتريا ثلاث مقابر مخصّصة لمن يرغب من اللبنانيين، كذلك هناك مقابر خاصة لبعض العوائل (آل الحرّ، آل الصبراوي، آل السيد) والقرى (حاريص، صور).
واللافت أن كثيرين من أبناء الطائفة الشيعية، من غير المنتمين إلى العائلات الدينية المعروفة، بات يخطط للدفن هناك، ومنهم من يحرص على عدم التصرّف بحصة من أملاكه، طالباً من أولاده استخدامها «لتجهيزه إلى العراق» بعد الوفاة. وبالحديث عن حفظ القبور لأصحابها الذين أوصوا بالدفن فيها، يذكر المتابعون حادثة غريبة مع أحد اللبنانيين. هذا الرجل أوصى بشراء قبر له هناك، وعندما زاره مطلع العام، فوجئ بالشاهد الموجود على القبر وقد دفن فيه شخص لبناني آخر فرجع مصدوماً من هذا الخطأ.
الحاج محمود شاهين (75 عاماً) أحد الذين أوصوا بالدفن هناك منذ ما يقارب 20 عاماً. يقول إنه ادّخر له ولبعض أفراد عائلته قبوراً في مقبرة وادي السلام «لأننا سنكون بجوار الإمام علي، فمن يدفن بهذه الأرض يرفع عنه عذاب القبر كما نعتقد». ويذكر أن «نشوء مقبرة وادي السلام يعود إلى أبي البشر النبي آدم، استناداً إلى ما ورد في الروايات والزيارات، ومنها زيارة الإمام علي عندما نقول فيها: السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وجاريك هود وصالح، وهذا من أوضح الأدلة على أن الإمام مدفون في هذه الأرض ونحن نرجو شفاعته وقربه».
إمام مسجد خندق الغميق، الشيخ كاظم عياد، مرتبطٌ بهذه المقبرة؛ «لأن جده وجدته لأبيه، وكذلك جدته لوالدته، دفنوا جميعاً هناك، كذلك فإن والده قد هيأ لنفسه ولزوجته قبرين في النجف لنيل هذه الكرامة». وعن رغبة الناس في أن يدفنوا في النجف، يقول عياد إن «المستند هو الاستحباب والترغيب للمؤمنين؛ إذ أكدت الأحاديث المروية عن أهل البيت فضيلة أرض النجف والدفن في تربتها، وأنها وادي السلام الذي تحشر فيه الأرواح. فمنذ عرف أصحاب الإمام علي مدى خصوصية هذه الأرض عند الله تعاهدوا على دفن موتاهم فيها حتى في حياة الإمام. ومن هؤلاء الصحابة، أثيب اليماني الذي توفي، فجاء أولاده بجنازته إلى مقبرة السلام، وعندما أشرفوا عليها وجدوا الإمام واقفاً، فسألهم عن أمرهم فقالوا إن أبانا أوصى بأن يدفن في هذه الأرض لأنه يدفن فيها رجل لو شفع لأهل الموقف لشفع، فقال: أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا: لا، فرد عليهم: أنا والله ذلك الرجل، وكررها ثلاث مرات».
لكن إلى أي مدى يعدّ هذا الاعتقاد صحيحاً؟ وهل يكفي الدفن في مكان مقدّس ليغفر للإنسان ذنوبه التي ارتكبها؟ لا يخالف رأي علماء الدين الروايات المتناقلة والمتفق عليها. يقول الشيخ علي فقيه، مدير إذاعة البصائر التابعة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إنهم يشجعون على الوصية بالدفن هناك «لاعتقادنا بأن للإمام علي كرامة كبرى عند الله، وأن الذي يدفن بالقرب منه سيكون له خصوصية». لكن هذا لا يعني «إغفال الأحكام العامة التي لا يُستثنى منها أحد، كعاقبة الظالمين التي هي العذاب الأليم، فلو أن ظالماً أوصى بالدفن هناك فهل يُعفى عن ظلمه؟». يشرح فقيه: «هناك فرق بين القواعد والعقائد. فبناءً على القاعدة، لا يُعفى المذنب من تبعات ذنوبه إلا بالطريقة التي رسمها القرآن الكريم، وهي التوبة من الذنب. أما بناءً على العقيدة، فقد ورد في الشريعة بعض الاستثناءات، ونحن لا نأخذ بأي استثناء يخالف ظاهر القرآن. أما إذا كان الاستثناء موافقاً لأحكام الشريعة، كما لو اندرج تحت عنوان الشفاعة أو الكرامة، فعندها يمكن الاعتقاد بأن الله سيخفّف عن الإنسان، ولكن الأمر أولاً وآخراً يعود لله الذي إن شاء رحم وإن شاء عذّب».
وماذا عن كلفة الدفن، وحال المتوفى الذي أوصى بالدفن ولا يستطيع أولاده التنفيذ؟ يجيب فقيه بأن هناك وجهين لهذه الحالة: «فإن كان للمتوفّى تركة يكفي ثلثها لمصاريف النقل والدفن يجب عندها تنفيذ الوصية، لكن إن لم يكن عنده تركة يكفي ثلثها لتنفيذ الوصية، فلا يجب التنفيذ إلا برضى الورثة فيما لو أضافوا من حصصهم ما يكفي من المال لتؤدى الوصية».
ولا تفوت محدّثنا الإشارة إلى أن الدفن في وادي السلام معتقدٌ قديم «مضى عليه ألف سنة، انحصر أحياناً بالمؤمنين داخل العراق، نظراً إلى صعوبة نقل الجنازة وبدائية وسائل المواصلات حينها. لكن مع مرور الوقت، أصبحت الجنازات تأتي من مختلف أنحاء العالم لتُدفن في النجف».
يبقى السؤال: هل تتّسع المقبرة لكل هذا العدد؟ يوضح الشيخ عيّاد أن الدفن يجري في سراديب تحت الأرض، ولهذا السبب تتّسع لهذا الكمّ الهائل من الأموات الذين دفنوا فيها منذ ما يقارب ألف عام. ويؤكد عيّاد ضرورة العناية بهذه المقبرة العظيمة بعد اختيار النجف عاصمةً للثقافة الإسلامية لعام 2012 (تأجلت هذه الفعاليات إلى سنة 2020).



8500 دولار كلفة الدفن

معاملات كثيرة ينبغي لأولاد أو أقارب الراغبين في الدفن بوادي السلام في العراق أن ينجزوها. يعدّها بلال الخليل بالتفصيل، قائلاً: «بالإضافة إلى جواز سفر صالح للمتوفى، هناك شهادة الوفاة المصدّقة من المختار، كذلك ينبغي الحصول على شهادة تحنيط من الطبيب الشرعي وورقة خروج نعش مصدّقة جميعها من وزارتي الصحة والخارجية، تقدم بعدها للسفارة العراقية. وبعد الموافقة على الأوراق، تصدر وثيقة قبول لتسهيل المرور على المنافذ الحدودية والمطارات».
إلا أن الأهم من كلّ ذلك تبقى كلفة نقل الجثامين، التي تعدّ مرتفعة، كما يؤكد الخليل، «وقد بلغت تكلفة آخر جنازة أوصلناها إلى هناك 8500 دولار»، موضحاً أن «السفارة العراقية في لبنان اقتطعت منها مبلغ 3200 دولار كرسم لدخول الجنازة». برأيه «هذه مبالغ كبيرة، فنحن ننقل ما بين 15 إلى 20 جنازة سنوياً وترتفع الكلفة مع مرور الزمن». على الرغم من ذلك، يصرّ الكثيرون على إدراج بند «الدفن في النجف الأشرف» ضمن سطور وصاياهم، عسى القرب من الأنبياء والأئمة يشفع لهم يوم الحساب!