«غالي الدهب غالي، وعالي الورد عالي»... غنتها السيدة فيروز في برنامج «مع الحكايات» عام 1968. فقد شهد هذا العام تحديداً تغيّراً تاريخياً في سعر الذهب العالمي، إذ جرى تحرير الذهب من كونه نقداً ليصبح سلعة سوقية يتحدد سعرها وفق مبدأ العرض والطلب (حين حُلّ مجمع الذهب). وذلك، بعدما ثبت سعر الأونصة عند 35 دولاراً لحوالى 7 سنوات متعاقبة... يضحك هيثم من هذه المقاربة لتاريخ الأغنية حين كان سعر الذهب 35 دولاراً: «ترى ماذا كانت ستغني فيروز لو كان سعر الذهب قد وصل الى 1670 دولاراً، مع توقعات بان يقفز الى ألفي دولار؟».
فقد حقق سعر الذهب يوم الجمعة الماضي انخفاضاً طفيفاً في السعر، الا أن هذا الانخفاض لا يعوّل عليه بفعل وجود الكثير من المؤشرات الاقتصادية التي تدفع سعر الذهب ارتفاعاً. وهذا الارتفاع يتآلف في الواقع مع القفزة الضخمة في سعر أونصة الذهب منذ عام 1968 حتى يوم الجمعة الماضي، قفزة نسبتها 4671 في المئة! اذ يعدّ الذهب ملاذ المكتتبين في السوق المالية خلال الأزمات الاقتصادية، ومقصد البنوك المركزية في العالم، من حيث تعزيز الاحتياط وتنويعه ليتخطى الأوراق النقدية. ويشير غير تقرير ودراسة الى أن سعر أونصة الذهب سيصل الى ألفي دولار مع نهاية عام 2012، لا بل يلمح بعض الاقتصاديين الى احتمال أن يتخطى هذا السعر... ماذا تقول التقارير والتحليلات؟ وكيف سينعكس الارتفاع المتوقع على قطاع الذهب في لبنان؟
عدد كبير من المحللين اتفقوا على أن سعر أونصة الذهب سيصل الى ألفي دولار هذا العام، وبعضهم توقع أن تتخطى هذه العتبة. التوقعات المتشابهة تعود الى أسباب تتآلف فيها العوامل الدافعة الى الاسعار صعوداً، اذ بعد الارتفاع الكبير لأسعار الذهب العام الماضي، عادت الاسعار لتنخفض في نهاية عام 2011. والسبب هو أن البنوك الأوروبية أقرضت كميات كبيرة من مخزونها تحت ضغط أزمة السيولة الخانقة التي عانتها، بل إن بعض البنوك أقرضت ذهبا للحصول على سيولة في تعاقدات قصيرة الأمد. وبما أن البنوك هذه ستعمل على اعادة مستوى الذهب لديها الى ما كان عليه، فقد توقع المحلل الاقتصادي الأميركي كينيث بيرتون ان الذهب مقبل على ارتفاع كبير خلال عام 2012. ولفت الى أن هذا الارتفاع سيبدأ خلال الربعين الأخيرين من العام، بحيث «ربما تصل الى 2000 دولار للأونصة».
ومن أسباب ارتفاع الاسعار، المخاوف المتعلقة بأزمة ديون منطقة اليورو، وتحرير المزيد من النقد في الولايات المتحدة، وفق ما أشار تقرير لـ«ساكسو بنك» في نيسان الماضي. وقد ذهب التقرير الى القول إن السعر لن يتوقف عند الألفي دولار، بل سيتخطاه في نهاية عام 2012، ويصل الى ذروته عام 2013.
هكذا ترى شركة «جي إف إم إس»، المتخصصة في مجال المعادن الثمينة، أن من غير المتوقع أن يحدث أي توقف للارتفاع في أسعار الذهب، وذكرت أن الهواجس المحيطة بتعافي الاقتصاد الاميركي والشكوك في النمو المتوقع له خلال هذا العام، ستجعل البنك الفدرالي الاميركي يفكر في عملية تيسير كمي (طباعة الأموال) ما يفقد العملة الاميركية بريقها «وهذا يعني الاتجاه في الطريق المعاكس للدولار وهو الذهب»، فيما ستنعكس زيادة اسعار النفط ارتفاعاً لاسعار الذهب. واستند مدير قسم السبائك في مجموعة الزمردة رجب حامد في تموز الماضي الى السبب ذاته، وهو مشروع التيسير الكمي الثالث المرتقب في أيلول المقبل، لكي تكسر أسعار الذهب حاجز الـ 2000 دولار للأونصة الواحدة.
وكان جيفري رودز، المدير العالمي للمعادن الثمينة، والرئيس التنفيذي لإنتل كوميديتيز، قد توقع في آذار أن يتواصل ارتفاع أسعار الذهب حتى 2000 دولار للأونصة خلال العام الجاري. وشرح أن سعر الذهب ارتفع بنسبة 480 في المئة سنوياً خلال السنوات العشر الماضية. وكذلك، توقع الرئيس التنفيذي في «كوموديتيز كابيتال بارتنرز» أيمن شاهين ارتفاع أسعار الذهب فوق مستويات الألفي دولار للأونصة، ورأى أن الإقبال اللافت من البنوك المركزية يدعم توقعاته.
مع توقع ارتفاع سعر أونصة الذهب عالمياً، تعيش السوق المحلية في لبنان في جمود قسري يسبق الارتفاع، ولا يلين مع الانخفاض. ويقول رئيس نقابة الصاغة والمجوهرات بوغوس سوريديان إن نسبة الجمود في سوق مبيع الذهب في لبنان وصلت الى حوالى 70 في المئة، فيما بين 65 الى 70 في المئة من معامل الانتاج والصياغة متوقفة عن العمل. يشرح سوريديان أن أصحاب محالّ البيع يعانون غياب المستهلكين نتيجة التزايد في سوء الاوضاع السياسية والامنية، وتدهور المستوى المعيشي من جهة، في مقابل ارتفاع سعر الذهب الى مستويات عالية، تزيد عن قدرة المواطنين الشرائية.
يلفت سوريديان الى أن قطاع الذهب يمثّل موقعاً متقدماً في الاقتصاد الوطني، الا أن حجم الصادرات التي تعلنها وزارة الصناعة لا يعكس حجم الارباح المتأتية من هذا القطاع، إذ إن الارقام المعلنة تدمج بين الربح ورأس المال، اضافة الى الأكلاف الصناعية. الا أن حجم الربح لا يتعدى الـ 30 الى 40 في المئة لدى التجار، وبين 5 الى 10 في المئة لدى المصنّعين.
إلا أن رئيس جمعية المؤسسات المالية في لبنان جان حنا يقلل من احتمالات أن يصل سعر أونصة الذهب الى ألفي دولار. يلفت الى أن الأزمة الأوروبية الى انحصار، وارتفاع سعر الأونصة وصل الى مداه، ومن الممكن أن يرتفع بنسبة لا تتعدى الـ 10 في المئة حتى نهاية العام (بحدود 1840 دولاراً) لا أكثر. أما إذا صدقت التقارير والتحليلات العالمية، فيرى حنا أن الانعكاسات ستكون ايجابية على الوضع النقدي في لبنان، اذ يحوي مصرف لبنان احتياطاً ضخماً من الذهب، وارتفاع السعر يعني في الواقع تمتين وضع مصرف لبنان، ومساعدته على مجابهة أي هزة نقدية قد تنتج عن الاحداث السياسية والأمنية. ويشرح ان احتياط الذهب يعدّ مناعة اضافية لاحتياط العملات الأجنبية وموجودات المصارف التجارية بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان. ويرى أن ارتفاع سعر الذهب المخزن يزيد الوضع النقدي صلابة، حتى لو لم يتمّ تسييله...



20 مصنعاً

عدد المصانع الكبرى لصياغة الذهب في لبنان، وقد أقفل خلال السنتين الماضيتين عدد من هذه المصانع، وصُرف مئات العمال، فيما ترتفع نسبة الاقفال لدى المصانع الصغيرة التي تنتشر في عدد كبير من المناطق.



المستوى الأدنى في 4 أشهر

تراجعت أسعار الذهب يوم الجمعة، إذ إن انحسار الاقبال على الأصول التي تنطوي على مخاطر وارتفاع الدولار، دفع المستثمرين للبيع لجني الأرباح بعد ارتفاع الذهب على مدى سبع جلسات إلى أعلى مستوى له في اربعة اشهر ونصف شهر، لكن ظلت الأسعار في طريقها لتسجيل أكبر زيادة اسبوعية منذ اوائل حزيران. وارتفع سعر الذهب في السوق الفورية باكثر من 3% هذا الأسبوع. وعاد لينخفض سعر الذهب الجمعة في السوق الفورية 0.2 بالمئة إلى 1666.49 دولار للأونصة. وانخفض سعر الذهب الأميركي في العقود الآجلة 3.30 دولارات إلى 1669.40 دولاراً للأونصة.