ليس لموقف النجمة للحافلات في صيدا، سجل في الذاكرة الجماعية، تراثياً واجتماعياً ونضالياً، لكنه منذ إنشائه منتصف التسعينيات، بات مرتكزاً في قلب المدينة، تتلاقى عنده خطوط صور والنبطية وجزين وإقليم الخروب وبيروت، وينطلق منه الضخ البشري نحو السوق التجاري المحاذي. ميزات متعددة ينتجها تلاصق موقف الحافلات مع ساحة النجمة والسوق التجاري ومبنى بلدية صيدا المقابل ومن خلفه الواجهة البحرية السياحية من استراحة صيدا إلى القلعة البحرية والمقاهي.
مشهد صاخب ومتعدد الأرزاق والمنافع لفئات العمال والسائقين وباعة البسطات والتجار والكافيتيريا، يجعل من ساحة النجمة نبض بوابة الجنوب وأقضيته، يبدأ من الفجر ويمتد حتى منتصف الليل، متخطياً الفرز المناطقي والطائفي، لكن ذلك المشهد سيزال قريباً. لأن ثمة قراراً بنقل موقف الحافلات من ساحة النجمة إلى ساحة الشهداء على بعد كيلومتر واحد. والسبب أن رجل الأعمال الصيداوي محمد زيدان اشترى العقار الذي يقوم عليه الموقف من مالكيه، أبناء الرئيس رفيق الحريري وقرر استبدال وجهة استخدامه. وبما أن أصحاب رؤوس الأموال محظوظون بالفطرة في لبنان، تيسّرت بسرعة فائقة خطة بديلة لنقل الموقف إلى ساحة الشهداء.
في منتصف التسعينيات، اشترى الحريري جزءاً من العقار المعروف باسم وقف آل طنطش، الذي يشمل العقار المقام فوقه الموقف وصولاً إلى الجهة المقابلة حيث تركن باصات الصاوي زنتوت والمحال المتلاصقة مقابلها. في العقار الواسع، أنشأت مؤسسة الحريري خيمة رمضانية طوال عامين متتالين، كان الحريري يرعى الإحتفالات والمقاهي التي أقيمت. لاحقاً، وبعد صفقة إصدار عدد كبير من رخص السوق العمومية وسريان موضة حافلات النقل الخاص خلال عهد حكومة الحريري نفسه، أنشئ الموقف. بإدارة مؤسسة الحريري، تقسمت الفانات بين المناطق: خط صيدا بيروت وصيدا النبطية وصيدا صور وصيدا جزين. فتحت المؤسسة باب الإشتراكات لأصحاب الفانات الذين سمحت لهم بجمع الركاب من الموقف، لقاء بدل مالي شهري. على أطراف الموقف، كانت سيارات الأجرة تنتظر الركاب الخارجين من الموقف لتقلهم إلى جزين أو إقليم الخروب أو إقليم التفاح والمناطق التي لا يمر فيها خط الفانات. تحول الموقف بسرعة إلى حاجة لأهالي الجنوب والإقليم وجزين ومن يقصد صيدا للتسوق أو تخليص المعاملات في دوائرها الرسمية. من لا يملك سيارة، كان يجد سهولة في استخدام الحافلة للوصول إلى السوق التجاري. يمشي أمتاراً قليلة ذهاباً وإياباً، يوفر الوقت وأجرة التنقل، إلا أن الديناميّة التجارية التي تنتجها الحلقة المتصلة بين الموقف والسوق والمقاهي، تقرر لها أن تنتهي.
رئيس بلدية صيدا محمد السعودي قال لـ»الأخبار» إن موقف النجمة «سينقل قريباً جداً إلى ساحة الشهداء بعد إنجاز خطة النقل»، لكنه أوضح أن البلدية لا تملك صلاحية لإدارة الموقف، كما هو الحال في موقف النجمة. الموقف سيقام فوق جزء من ملعب الشهداء في عقار يملكه شخص من آل الرواس. وعليه بات لمن سيستخدم فانات الموقف الجديد، أن يستقل سيارة أجرة للوصول إلى السوق أو أن يتكبد عناء المشي توفيراً للكلفة. جيران الموقف الجديد، مسجد ومقبرة الشهداء وعدد من المدارس الرسمية والخاصة والعيادات والمكاتب.
العقار البديل لا يزال أرضاً ترابية غير معبدة. علماً أن موقعاً أثرياً يقبع تحت العقار، أثبتت وجوده أشغال الحفر في العقار المحاذي، الذي ما إن شرع مالكه بحفر الأساسات لتشييد مبنى حتى اكتُشف الموقع، ما دفع بالمديرية العامة للآثار إلى وضع يدها عليه وتوقيف مشروع البناء.
الرواس سيستفيد من العقار، الذي لا يمكن استثماره بطريقة أخرى سوى كموقف للسيارات. وزيدان سيستفيد أيضاً من عقار موقف النجمة، ولا سيما بعد قرار البلدية بمنع دخول السيارات إلى السوق التجاري بعد إنجاز ورشة رصف شوارعه. تردد أن زيدان سينشئ موقفا للسيارات الخاصة الممنوعة من الدخول.
لكن ماذا عن المواطنين؟ تفاوتت ردات الفعل حول نقل موقف النجمة إلى الشهداء. طارق ياسين وكيل كاراج حبلي لسيارات الأجرة عند ساحة النجمة انفرجت أساريره فور سماع الخبر. فالحافلات استولت على الركاب الذين يفضلون التنقل بها بدلاً من سيارات الأجرة لتدني الكلفة. يجد ياسين في سيارات الكاراج القائم منذ عام 1952 وباصات الصاوي التي كانت تركن في محطة البوابة الفوقا، الوسيلة الأكثر أماناً لتنقل الركاب لأنها مسجلة لدى الدولة وتنجز معاملات التأمين. يشير إلى فوضى الفانات الخاصة التي لا تتقيد بشروط السلامة العامة ويتخطى سائقوها السرعة المسموح بها، ما أدى إلى وقوع حوادث سير مميتة. أما أصحاب المحال في السوق التجاري، فقد بدأوا بالشكوى قبل تنفيذ قرار النقل. لا يكفي الأزمة الإقتصادية ثم منع وصول السيارات إليها، ليأتي قرار إبعاد الركاب.