في «الدكان» الصغير، في وسط بنت جبيل (المدينة القديمة)، وجدت نساء البلدة فسحتهن البعيدة عن المنزل والواجبات التقليدية. فهنا، في الدكان الذي يحمل اسم «جمعية تعاونية التصنيع الزراعي»، قرّرت 15امرأة محاربة الفقر ومساعدة المزارعين بأقلّ كلفة ممكنة، عبر تصريف ما تيسر من الإنتاج الزراعي المحلي، إضافة إلى تشجيع ربات المنازل على العمل المنتج داخل منازلهن. قبل بضع سنوات، لم يكن هذا كله قد خطر على البال في المنطقة المحرومة، لكن الشعور بـ«مظلومية» المزارعين، وازدياد طلب المغتربين من أبناء بنت جبيل ومنطقتها «شراء المنتجات البلدية التي فقدوها في عالم الاغتراب، شجّعانا على العمل والإنتاج، رغم إهمال المعنيين لإنتاجنا»، تقول سلوى بزي، رئيسة التعاونية.
هكذا، ولدت الفكرة، وشيئاً فشيئاً تطورت لتشهد نشاطاً لم تلحظه من قبل، سواء كان في عدد المشاركات في «بيت العمل»، أو بالنسبة إلى المنتجات التي تشمل كل أنواع المؤونة البلدية، من صعتر وسماق وفريك وزهورات والكمونة البنت جبيلية والبرغل. ولا يقتصر نشاط الجمعية على هذه الأنواع، إذ تقوم ربات المنازل ـــــ العاملات بتصنيع المربيات، والمقطرات مثل القصعين وإكليل الجبل والشومر والصعتر والزعرور والمخللات، مثل المكدوس والباذنجان وورق العنب. رغم تعبهن، تفرح النسوة بـ«المردود»، ليس المالي فحسب، إنما المردود على المزارعين، حيث يسهمن في تصريف «إنتاج المزارعين في المنطقة»، تتابع بزي، لكن، ثمة هدف آخر وهو «تعزيز دور المرأة في مجال التنمية الاقتصادية».
من جهتها، تشرح عضو الهيئة الإدارية في الجمعية غادة بزي طريقة عمل الجمعية، فتقول إن «المواد الأولية يجري شراؤها من المزارعين الصغار الذين لا يجدون مكان لتسويق منتجاتهم القليلة، وهؤلاء هم الغالبية من أبناء المنطقة، الذين قرروا البقاء في قراهم وبلداتهم، متكلين على زراعة أراضيهم».
من جهة أخرى، شهدت بلدات عدة نشاطاً لافتاً للجمعيات الزراعية، إضافة إلى النشاط الزراعي المتعلق بتفعيل الزراعات البديلة، ولا سيما زراعة الصعتر البلدي وتربية النحل. وقد أسهمت القوات الفرنسية في تدريب عدد من المنتسبين إلى التعاونيات الزراعية. وفي بلدة عيترون، شيّد مبنى مركزي للتعاونيات الزراعية في بنت جبيل بدعم من قوات اليونيفيل. وكانت إحدى الجمعيات الإيطالية قد قدمت الدعم للمشاريع الزراعية، وخصوصاً زراعة الصعتر وتسويق منتجاته. وفي هذا الإطار، قامت التعاونيات الزراعية في بنت جبيل بزراعة 74 دونماً من الصعتر في أربع بلدات في القضاء، واشترت قطعة أرض ومطحنة للصعتر، و14 قفيراً من النحل. أما اليوم، فتتجه لإقامة منشآت ومشاتل زراعية لعدد من المزروعات.