لافتٌ أن يعرب بعض الرجال عن شعورهم بالإجحاف. هل يشعر هؤلاء بالغبن مثلاً في مجتمع يمنحهم «العصا السحرية»؟ لا يبدو الأمر منطقياً. مع ذلك، لا بد من التوقف عند شعور بدأ «يغزو» الذكور بسبب الجمعيات النسائية! يكفي الحديث عنها أو إعلان تظاهرة أو اعتصام تنظمه إحداها لإثارة سخطهم. ضاقوا ذرعاً، علماً بأنهم يرفضون العنف ويؤمنون بالمساواة. برأيهم، باتت هذه الجمعيات تحولهم إلى «وحوش »، علماً بأنهم أحد طرفي ضحايا النظام الأبوي.شادي يعمل في القطاع التجاري. يرفض أن تكون زوجته مجرد «ربة منزل». لكنه يطرح مجموعة أسئلة: من قال إن الرجل يتمتع بجميع حقوقه؟ لماذا تضع هذه الجمعيات المرأة في خانة الضحية دائماً؟ وهل تتطلب حقوق المرأة، على الرغم من أحقيتها، هذا الكمّ من «المغالاة»؟ «نحن أيضاً ضحية ثقل قرر المجتمع تحميلنا إياه»، يقول. يكرّر هؤلاء المعارضون مصطلح «المغالاة». يلاحظ إيلي أن أي مسألة تخص المرأة باتت تولّد جمعية. لا يفهم مثلاً كيف ستشرح المرأة للشرطة تعرضها للاغتصاب الزوجي. لا تستحق القضية كل هذه الضجة، برأيه، علماً بأن 17 في المئة فقط من النساء في لبنان لا يتعرضن للاغتصاب الزوجي!
يؤمن نديم أيضاً بحقوق المرأة. لكنه لا يرى في قضاياها أولوية قائلاً: «إياك أن تنصح جائعاً. أطعمه ثم انصحه». يدعو الرجل للثورة للإنسان ومن ثم للمرأة. يرفض تصوير المرأة ضحيةً دائماً، ولا يفهم لماذا يكون مطالباً «بتصحيح الخطأ» إذا أقام علاقة جنسية مع فتاة، علماً بأنها شريكة.
لا يتوقف نديم عن الكلام. يستفزه عدم إظهار الجمعيات للصورة الحسنة للرجل. يدرك وجود نساء معنّفات ويطالب بمحاكمة المذنب، لكن ليس بالأسلوب المتبع. يرى أن بعض هذه الجمعيات تتصرف بعنصرية تجاه الرجل، حتى إنها تفضل لو أن الرجال لم يُخلقوا، عازياً ذلك إلى كون بعضهن سحاقيات وإن كان يؤمن بحريتهن الشخصية.
يعرف الكثيرون حقيقة وجود نساء معنفات ويجهلون الأمر في آن واحد. وحدها الأرقام قد تبرّر ضرورة ملاحقة النظام الأبوي، وصولاً إلى إلغائه لحماية المرأة. تلفت المستشارة لدى منظمات محلية ودولية في شؤون المرأة والجندر عزة بيضون، إلى أن «الدراسات العالمية تشير إلى أن العنف الممارس داخل الأسرة على النساء يقوم به، وبدرجة غامرة، الرجال، وتقترب النسبة من 95 في المئة، فيما لا تتعدى نسبة النساء اللواتي يعنفن الرجال 5 في المئة».
لا ترى بيضون في آراء هؤلاء الرجال ما يستند إلى تحليل علمي للواقع. تقول إن «الحركة النسائية اللبنانية لم تكن يوماً مستفزة للرجل، ولم تعده عدواً»، مضيفة أن النساء «واعيات لكون المشكلة تكمن في النظام الأبوي الذي حوّل النساء والرجال إلى ضحايا». وتلفت إلى أنه «بعد الحرب اللبنانية، بدأت النساء يطرحن مطالب نسائية بحتة»، موضحة «أن هذه المطالب تخدم الأسرة والنساء، لكنها قد تظهر نسائية بحتة بسبب اختلاط قائم في أذهان الناس بين النساء والأسرة».
تفسر بيضون موقف بعض هؤلاء الرجال، قائلة إنهم «يبنون آراءهم وفق منطق الضد، كأن حقوق المرأة ضد حقوق الرجل، وهو تفكير طفولي يظهر أن بعض الرجال هم واقعاً ذكور بشرية لم يتوصّلوا إلى مرحلة الرشد».
إذاً، لا وجود لمعطيات علمية في مواقف هؤلاء الرجال. لكن ثمة شعور بالنفور حيال الجمعيات النسائية. من هنا، أطلقت جمعية «أبعاد» حملة «إشراك الرجل» (ليست الأولى في هذا المجال)، وإنشاء مركز الرجال. وانطلقت الفكرة، بحسب مديرة المركز غيدا عناني، نتيجة لدراسات أظهرت أن إحداث تغيير مستدام ووقائي يفترض أن يكون الرجال المعنفون جزءاً أساسياً في جهود القضاء على العنف.
من جهته، يشرح المعالج النفسي في المركز غسان عساف، أن «الرجال الذين قصدوا المركز حتى الآن (نحو خمسة قبل بدء الحملة الإعلامية) لا يمارسون العنف بالضرورة، لكن كمّ الضغوط التي يعيشونها قد تدفعهم إلى تفريغها من خلال العنف». وعن أسباب العنف، يوضح أنها «ناتجة غالباً من ضغوط من الطفولة نتيجة مشاكل عائلية أو مادية»، مضيفاً أن «الضرب تعبير عن حاجة إلى المساعدة لأن المعنف موجوع».
لن يتمكن الرجال المنزعجون من الحد من عمل الجمعيات النسائية. يمكنهم إنشاء جمعية بدورهم، على غرار أميركيين بدأوا يطالبون بحقوقهم المهدورة. فمن قال مثلاً إن الأم هي الأجدر دائماً لتربية الطفل في حال الانفصال؟ لا يلغي ذلك أن إحدى النسويات الناشطات تقرّ بعنصرية بعض الجمعيات حيال الرجل، من دون غض النظر عن جهل الكثيرين لحقيقة الأرقام على الأرض.