في بعض الاحيان تشعر بالدهشة والمرارة حين ترى أنّ كل ما تعمل لأجله او تنادي به بشراسة لا يلقى الآذان الصاغية عند البعض، وهذا بالضبط ما احسست به عندما سمعت دولة الرئيس نجيب ميقاتي في كلامه الى برنامج «كلام الناس»، اذ اعلن، وعلامات الاستغراب تعلو وجهه، أن نصف مليون سعودي زاروا دبي خلال عطلة الربيع. هذه الارقام لم تأت من عالم الغيب، وهي نتيجة اسباب ظاهرة كضوء الشمس.
في الواقع، زار دبي في خلال هذه العطلة نحو 750 الف مواطن عربي، 500 الف منهم سعوديون، بزيادة نسبتها 79%. وهذه الارقام قد تشكّل دافعاً لتحليل الاسباب التي جعلت دبي تتفوق في استقطاب السياح الخليجيين وغيرهم. فهل تعلم يا دولة الرئيس ان سياسة النقل المعتمدة في لبنان هي من الاسباب المباشرة؟ فالاسعار المرتفعة والاصرار على احتكار الخدمات ومنع تحقيق سياسة الاجواء المفتوحة... كلها عوامل تؤثّر على استقطاب السياح. ونتذكّر يا دولة الرئيس كلامك في هذا الشأن عندما كنت تتولى حقيبة وزارة النقل، فمطار دبي الدولي بات يخدم 100 ألف مسافر كل يوم! ربما يكون لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا رأي لوزارة السياحة بسياسة النقل فيه.
لقد اقتنعت دبي بأهمية سياحة المؤتمرات والمعارض، التي بات حجمها يشكل نحو 7% من مجمل الناتج المحلي، وما بين 20 و30% من مجمل السياحة، ولذلك تستثمر بقوة فيها، وأهم انجازاتها اقامة مركز دبي للمؤتمرات والمعارض، في حين ما زلنا في لبنان نناقش جدوى الاستثمار في اقامة مركز للمؤتمرات والمعارض في منطقة ضبيه، ونصرّ على تجاهل ان المركز الوحيد المتوفر لهذه الغاية، وهو مركز «البيال»، لا يتمتع بالمواصفات العالمية المطلوبة، وبني مركزاً مؤقتاً لاستقبال مؤتمر الفرنكوفونية. فهل اطلعت يا دولة الرئيس على تقرير البنك الاوروبي للاستثمار الذي اوصى لبنان بتطوير موقعه في سياحة المؤتمرات والمعارض؟
وتملك دبي اضخم مراكز الترفيه والتسوّق، في حين ما زلنا نناقش في لبنان اذا ما كانت مدينة طرابلس تمثّل المكان الافضل لإقامة مركز ترفيهي كبير على غرار «ديزني لاند» مع الخدمات المرافقة لاستقطاب العائلات وتنويع الخدمات، في وقت يصرّ فيه البعض على اقامة سوق صينية او هندية في طرابلس، وهذا امر غريب وعجيب. ومن المفارقات يا دولة الرئيس، ان منتجع دبي المغلق للتزلج، والذي كلّف مليار دولار، استقطب مليون سائح، وتفوق على ثلج لبنان الطبيعي، بسبب استثمار ملايين الدولارات سنوياً للترويج لهذا المنتجع، في حين ان الحملة المتواضعة التي قمنا بها حول التزلج في لبنان، والموجهة الى دول الخليج، استعطينا كلفتها من هنا وهناك.
لا يمكن، يا دولة الرئيس، ان نقارن دبي بلبنان ونحن نصارع للاستحصال على قرار من الحكومة لتمويل المعارض الخارجية والترويج، واذا صدر القرار نكتشف ما يبقى غير قابل للتنفيذ بسبب عدم توفر الاعتمادات، فوزير السياحة اضطر الى استعطاء الاموال من هنا وهناك ليتمكن من اطلاق حملة eyes on Lebanon على cnn، اذ لا توجد حتى الآن رؤية لاعتماد سياسة ترويج محترفة بسبب نقص التمويل، ففي كل مرة يقام فيها نشاط ترويجي يضطر وزير السياحة الى التدخل شخصيا للطلب من دولتكم تمرير التمويل بسبب العرقلة المعروفة، وفي كل الحكومات السابقة كانت تُنظم وفود الى الدول الخليجية برئاسة رئيس الحكومة ووزير السياحة للترويج لعطلتي الربيع والصيف، ولكن كل ما لمسناه في هذا العام هو حصر نفقات السفر في موازنة وزارة السياحة، على عكس وزارات اخرى تبلغ موازنة السفر لديها اضعاف موازنة وزارة السياحة.
لقد جهدت وزارة السياحة على مدى اكثر من عامين للفت النظر حول هذه الحاجات، ولكن في كل مرة تعامل فيها وزارة السياحة وكأنها وزارة ثانوية او «زيادة عدد» يمكن الاستغناء عنها، او كأن مطالب وزير السياحة هي مطالب خيالية غير واقعية، والنتيجة اننا نصطدم اليوم بواقع الارقام ونجاحات دول اخرى لا تملك مقوماتنا الطبيعية والمناخية والتاريخية، لكنها نجحت بفضل الاستثمار المباشر في المشاريع السياحية والترويج.
ان التاريخ، يا دولة الرئيس، لا يسجل الاقوال والتمنيات، بل يسجل الافعال، فهل سنظل نستغرب الارقام التي تحققها دول اخرى، من دون ان نحلل اخطاءنا وتقصيرنا، ومن دون ان ندرك اننا نطمر رؤوسنا في الرمال في حين باقي الدول تحقق التنمية السياحية الحقيقية؟ فقد ذكرت دولة الرئيس ان الوحدة الاقتصادية، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، قامت بإعداد خطة اقتصادية متكاملة لتحقيق النمو، فلماذا لم تقم هذه الوحدة باستشارة الوزارات المعنية؟ الا يملك وزير السياحة مثلاً الاقتراحات الضرورية لوضع الاقتصاد على السكة الحقيقية للتنمية من خلال تنمية الصناعة السياحية؟
أتوجّه اليك دولة الرئيس كرجل اعمال وصناعي ووزير وضع عقله وقلبه وجهده في خطة عمل واعدة آمن بأنها ستجعل من لبنان دبي ثانية، وآمن بأنه بالنوايا الصادقة نستطيع ان نضع خطة العمل هذه موضع التنفيذ، لكنه اصطدم بعرقلات وتسييس ومحاصصات غير مفهومة، واصطدم بتهميش منقطع النظير لوزارة السياحة التي من المفترض ان يكون لها رأي وازن في السياسات الاقتصادية.
فيا دولة الرئيس، اجعل من كل وزراء هذه الحكومة «وزراءك» ولنعمل حقيقة بعقلية «كلنا للوطن»، ولنجعل غيرتنا على لبنان وإنجازات باقي الدول حافزاً حقيقياً لنضع اصبعنا على الجرح ونبادر الى معالجته، لأن التاريخ لن يتذكر إلّا الأفعال.

* وزير السياحة