مات الرضيع محمود رعد من البرد. هذه الطريقة في الموت يجب ان تكون كافية لاطلاق موجة غضب، حتى من دون سرد التفاصيل. لكن، موت محمود، ابن الثلاثة أشهر، لن يثير اكثر من حزن اهله وبعض الذين ما زالوا يتمسكون بانسانيتهم، حتى بعد سرد قصّة موته.تجمّد محمود في حضن والدته. تغلغل في جسده البرد حتى قتله. لم يكن عليه غطاء يستر عروقه الصغيرة في تلك الغرفة الخشبية التي اوى إليها والداه اللاجئان الى أكروم، في جرود عكّار. هربا من القتل الدائر في سوريا ليلاقي ابنهم الوحيد حتفه في صقيع اللجوء المذل.
هذا مؤلم، صحيح. ليس لأن رضيعا مات من البرد، ولأن ثورة الناس من اجل كرامتهم الانسانية تجمّدت. بل مؤلم ايضا لأن محمود مات بعد ان حذّر اهالي اكروم من الموت لان الدولة لم تستجب لنداءاتهم. تركتهم سجناء الجليد عاجزين عن فتح طريق بلدتهم لإيصال مرضاهم إلى المستشفيات.
بعد موته، خرج من يقول ان محمود «كان مصاباً بداء الريقان». وهذا ما تناقلته وكالات ومواقع اخبارية. وكأن في ذلك تبريرا للموت. هذا المرض ليس مميتا اذا كان محمود قادراً على الوصول الى الخدمات الصحية، وهي حقّه. هو مات «لأن جسده لم يحتمل البرد»، وهذا ما يؤكده الشيخ مصطفى عبدالله، رئيس البلدية. ويتابع «نحن رح نموت من البرد داخل بيوت حقيقية، فكيف الحال بالذين يقيمون في غرفة خشبية؟».

مساء أول من أمس، سدّت طريق البلدة بالثلوج. وبدأت حالة محمود تسوء. لم تقدر الأم على فعل شيء، فحضنها بارد أيضاً. أما الوالد، الهائم بين البيوت، فلم يجد أمامه بعد البحث إلا الاتصال بمخفر جبل أكروم لمساعدته، فلم يجد هؤلاء وسيلة إلا الاتصال بمختار البلدة عاطف أبو علي، وطلب «قارورة الأوكسيجين»، لعلمهم بأن زوجة المختار تعاني أعراض الربو.
لم يسعف الأوكسيجين الطفل، فاستنجد الوالد مجدداً بعناصر المخفر، في محاولة لنقل ابنه بآلية عسكرية إلى أقرب مستشفى في القبيات، وهو مستشفى السلام الذي يبعد حوالى عشرين كيلومتراً.
في الطريق إلى مستشفى السلام، لم يحتمل الطفل البرد الشديد. تجمد الدم في عروقه على مشارف بلدة عندقت.
أمس، دفن محمود في جبانة البلدة التي نزح إليها والداه. سيمر خبره مع بعض الأسف... في هذا الوقت، سيواصل وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور رعبه مما ستؤول اليه اوضاع اللاجئين في العراء، بلا حراك. علماً بأن محمود ليس أول طفل سوري يموت من البرد، فقد سبقه طفل آخر اسمه عدي في جرود عرسال. وقد لا يكونان الأخيرين.