في تموز الماضي توفيت رولا يعقوب، وهي من سكان بلدة حلبا الشمالية وأم لخمس بنات صغيرات. ثارت الشبهات حول مسؤولية زوجها؛ إذ أدلى شهود بإفادات عن تعرّضها لعنف جسدي ونفسي حتى قبل لحظات من نقلها إلى المستشفى وإعلان وفاتها.
إلا أنّ تقارير الأطباء الشرعيين لم تُثبت ذلك، ما حدا قاضي التحقيق في الشمال، آلاء الخطيب إلى إصدار قرار بإخلاء سبيل زوجها الموقوف بعد نحو 10 أيام على فتح التحقيق. لكن القرار لم يُنفّذ؛ إذ سرعان ما أصدرت الهيئة الاتهامية في الشمال قراراً قضى بفسخ قرار إخلاء السبيل، وأبقت الزوج موقوفاً على ذمة التحقيق.
منذ ذاك الحين، غابت القضية عن المتابعات الإعلامية، وخفتت أصوات المجموعات النسائية الناشطة من أجل إقرار قانون يجرّم العنف الأسري ضد النساء. إلا أنّ تطوّراً حصل أمس أعاد هذه القضية إلى الضوء؛ فقد أصدر القاضي الخطيب قراراً بالتوسع في التحقيقات «لكي يُبنى على نتائج المعاينات الطبية وتقارير الأطباء المختصين حول ما إذا كانت الضحية قد تعرضت للعنف، وما إذا كان العنف هو المسبب للوفاة». وبالفعل، استُخرجت أمس جثة رولا يعقوب من مدافن العائلة في حلبا، بحضور كاهن رعية حلبا الأب فؤاد مخول ووكيل الوالدة المدعية المحامي ريمون يعقوب ووكيل الزوج المدعى عليه المحامي جورج ديب، ونقلت الجثة إلى أحد المراكز الطبية في الشمال، بمرافقة طبية وأمنية، لإجراء مزيد من التشخيص والتحاليل والصور التي يمكن أن تساعد في معرفة الحقيقة.
يعدّ حقوقيون هذا التطور إيجابياً، إلا أنهم يتساءلون عن سبب التأخر في اتخاذ القرار بهذا الشأن؛ إذ إنّ أهل الضحية طلبوا منذ شهرين تقريباً إجراء تشريح للجثة، بل إن والدتها طلبت ذلك في محضر التحقيق الأولي! فهل لذلك صلة بما تردد منذ البداية عن وجود تدخّلات من سياسيين للفلفة القضية؟
يرفض المحامي العام الاستئنافي في الشمال، القاضي طارق بيطار، الإدلاء بأي معطى يتصل بالتحقيق، إلا أنه نفى في حديثه لـ«الأخبار» تلقيه أي اتصال بخصوص القضية من جانب نواب عكار. وأشار إلى أنه كلّف أطباء مشهوداً لهم بمهنيتهم إعداد تقرير جديد للتثبت من صحة تقرير اللجنة الطبية السابق.
التحفّظ نفسه يبديه محامي الادعاء ريمون يعقوب «حرصاً على سرية التحقيق»، وهو اكتفى بالقول إن زوج رولا يعقوب مدعى عليه بجرم التسبب بالوفاة المنصوص عليه في المادة 550 من قانون العقوبات، وتنص على أن «من تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو.. عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل. ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا اقترن الفعل بإحدى الحالات المنصوص عنها في المادتين السابقتين»، مشيراً إلى أن الزوج تنطبق عليه المادة 549 التي تشدد العقوبة إذا كان المتهم بالجريمة «أحد أصول المجرم أو فروعه».
يحاول المحامي يعقوب ألّا يغوص في تفاصيل قضيته، إلا أن معلومات مستقاة من التحقيق تفيد بأنّ أحد جيران رولا (الشاهد و.ح.) شهد أنه سمع صراخاً داخل المنزل، ولما همّ بالدخول اعترضه الزوج وقال له: «ما في شي». غادر و.ح. لكن الصراخ لم يتوقف. هذه الشهادة تقاطعت مع شهادات أخرى تدفع إلى الظن أنّ رولا يعقوب كانت تتعرض للضرب. وبحسب المعلومات المتسرّبة من التحقيق عبر معارف الضحية وزوجها، أقرّ الزوج بأنه ضربها بالعصا ضرباً خفيفاً، لكن قبل ثلاثة أيام من موتها، وهو ما يتقاطع مع تقارير الأطباء الشرعيين والمستشفى الذي نقلت إليه الضحية؛ إذ تضاربت هذه التقارير في تفاصيل عدّة، ولكنها تقاطعت عند تفصيل يفيد بأنها لم تتعرّض للضرب المباشر على الرأس؛ إذ لا أثر للكدمات عليه التي يمكن أن تفسّر سبب انفجار شريان فيه والتسبب بالنزف المميت، لذلك راجت فرضية أن يكون الحادث ناتجاً من تشوّه خلقي موجود.
تفيد مصادر قضائية بأن قاضي التحقيق سبق أن وجه سؤالاً إلى نقابة الأطباء في بيروت لاستشارتها في هذه التقارير ومحاولة حل ألغازها. هذه المعلومات لم يؤكّدها المحامي يعقوب، إلا أنه جزم بأنه كوكيل عن أهل الضحية لا يمكنه القبول بجواب النقابة كجواب قاطع لتشخيص سبب الوفاة؛ «إذ إنّ من الواجب تعيين لجنة طبية لدرس الملف الصحي للضحية قبل وفاتها وبعدها، وذلك بقصد الجواب على فرضية وجود تشوه خلقي في أحد شرايين الرأس، أدى إلى حصول الوفاة».
وبالفعل، كان القضاء قد قرر تشكيل لجنة طبية عملت على دراسة الملف وخلصت بعد فترة من عملها إلى التوصية بإعادة تشريح الجثة للحصول على بعض الأجوبة.
يرى محامي الدفاع جورج ديب أن «القضية المطروحة محددة حصراً بما إذا كانت ممارسة الزوج للعنف الجسدي المادي على زوجته قد أدت إلى وفاتها أو لا». لذلك يشير إلى «أن تقرير المستشفى الأولي أفاد بأنه لا أثر لكدمات على رأس الضحية، بل هناك آثار كدمات حدثت قبل الوفاة بأيام عدة، بدليل أن لونها أصبح بنفسجياً (يبقى اللون أحمر مدة 48 ساعة)». ويشرح المحامي ديب قائلاً «إن الأطباء عاينوا رأس الضحية مرتين للتأكد من عدم تعرضه لأي ضرب: في المرة الأولى حُلق شعرها ولم يتبين أي شيء، وفي المرة الثانية سُلخ جلد الرأس ولم يتبين أي شيء أيضاً». ويخلص إلى «أن جميع التقارير الطبية بيّنت عدم وجود سبب مادي مباشر أدّى إلى انفجار الشريان. أما إذا كان الانفجار يعود إلى ضغوط نفسية، فإن ذلك لا يمكن اعتباره دليلاً على تجريم المدعي عليه».