لا تنهمك عائلة المقداد بتجهيز أطفالها للذهاب إلى المدرسة كباقي العائلات، فهم ببساطة لن يذهبوا هذا العام إلى المدرسة!
تجلس الأم، التي لا تقوى على الوقوف أصلاً، على الشرفة. المرض يُنهك جسدها والهموم كذلك، لكنها لا تزال تبتسم في وجوه المارّة، تراقب انشغال من هم حولها من الجيران بأولادهم. هذه استطاعت الحصول على منحة، وتلك اشترت الكتب وبدأت بتجليدها، والثالثة تنتظر نهاية الشهر لتشتري القرطاسية والحقائب المدرسية. تعرف أنهم بالكاد استطاعوا تسجيل أولادهم في المدرسة، لكنهم تدبّروا أمورهم، أما هي، فقد أثقلت كاهلها الديون وتكاليف علاج مرضها الخبيث.
يصعب عليها تصديق أن بناتها الثلاث لن يذهبن هذا العام إلى المدرسة. هي لا تطمح إلى إرسالهم إلى أيّ من المدارس التي تتعدى أقساطها ملايين الليرات. تكلّف فتياتها 300 ألف ليرة لبنانية في المدرسة الرسمية، لا تستطيع هذه العائلة تأمينها لحجز مقاعد لهنّ! فما يؤمّنه الأب من أموال يصرف على علاج الأم المصابة بمرض السرطان، وكل محاولات الطرق على أبواب وزارة الصحة والجمعيات الخيرية والدينية باءت بالفشل، وما استطاع تأمينه لهذا العام لم يكف إلا لتسجيل ابنه الصغير.
ليس السبب جندرياً، بل ارتفاع رسوم التسجيل في المدرسة الرسمية. فـردينة، الابنة المتفوقة، حملت في جيبها 100 ألف ليرة وأسرعت للتسجيل في مدرستها في الصف السابع. هناك فوجئت بأن رسم التسجيل ارتفع25 ألف ليرة، لم تكن تملكها، فاضطرت إلى تسجيل أخيها الصغير، الذي لم يتعدّ رسم تسجيله ذلك المبلغ الذي في جيبها.
إذاً، المدرسة الرسمية هي أيضاً رفعت رسوم التسجيل بنسبة 30% عن العام السابق، من 72 ألفاً إلى 92 ألفاً للمرحلة الابتدائية، ومن 92 ألفاً إلى 117 ألفاً للمرحلة المتوسطة. صحيح أن الارتفاع بسيط بالنسبة إلى البعض، إذ يراوح بين 20 و25 ألف ليرة لبنانية فقط، إلا أنه قضى على حلم ردينة بأن تصبح طبيبة في يوم من الأيام!
أمور كثيرة قد تقضي على أحلام الأطفال، وليس فقط زيادة الـ30% على رسوم المدرسة الرسمية. هناك «الإفادة» التي تقف اليوم حائلاً أمام انتساب أولاد زهرة إلى المدرسة. ففي العام الماضي، تدهور وضع العائلة الاقتصادي على نحو كبير، ما اضطرّها إلى نقل الأولاد من مدرسة خاصة إلى أخرى رسمية. كانت الإجراءات الإدارية تقتضي الحصول على إفادة مدرسية من المدرسة السابقة، تؤكد نجاح التلميذ في صفه ليرتفع إلى صف أعلى، لكن المدرسة الخاصة امتنعت عن ذلك لعدم تسديد كامل الأقساط المدرسية المتوجبة عليهم. يومها، استبدلتها الأم بإفادة من وزارة التربية، ريثما تكون قد سدّدت الأقساط، فمرّ العام الدراسي الفائت على خير.
أما هذا العام، فقد أصرّت المدرسة الرسمية على الحصول على تلك الإفادة، كما أصرّت المدرسة الخاصة على الامتناع عن تقديمها، بحيث لم يعد هناك من حلّ أمام زهرة إلا أن تستدين لتسدّد الأقساط المتوجبة عليها، أو أن تلزم أولادها بالبقاء في المنزل هذا العام. تخنقها دمعتها وهي تروي ما لم تكن تصدّقه يوماً: أن يصبح الدخول إلى المدرسة صعباً إلى هذا الحدّ. يبكيها أنها قد تكون عاجزة اليوم عن تنفيذ الوعد الذي قطعته على نفسها بأن يتعلم أولادها جمعياً بعدما حُرمت منه في صغرها.
قد تكون لينا وسميرة، الأكثر حظاً هذا العام. فهما تستعدان للعودة إلى المدرسة بعد... عام كامل من الانقطاع، لا بعد ثلاثة أشهر من العطلة الصيفية. لا تخفيان سعادتهما، تقّلبان صفحات الكتب وتحاولان أن تتذكّرا بعض الدروس، ربما تحتاجان إلى أكثر من ذلك لتنشيط ذاكرتيهما، لكن ذلك البريق في عينيهما يعكس لهفة للعلم لا يعرفها إلا من حُرم منه. عام كامل أمضتاه في المنزل، فوالدهما فضّل إبقاءهما في المنزل على إرسالهما إلى مدرسة رسمية، بعدما عجز عن سداد أقساط المدرسة الخاصة، وعندما تحسّنت الأحوال هذا العام عاد لتسجيلهما في المدرسة الخاصة.