ما هو عالق في الذاكرة النقابية أنّ التعديلات التي تطرأ في المجلس النيابي على مشروع قانون مرسل إليه من مجلس الوزراء تكون طفيفة جداً. ولا يبدو أنّ سلسلة الرواتب ستشذ عن ذلك، أو في أحسن الأحوال سيتطلب ذلك معركة أشرس من الأولى بعدما فقدت هيئة التنسيق النقابية أمضى سلاح للمواجهة وهو مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح في الامتحانات الرسمية. الانطباع خرج به مشاركون في ورش عمل المؤتمر النقابي، أمس، مستبعدين تحقيق مكاسب جوهرية في الجولة المقبلة. ومِن مندوبي الروابط مَن سأل عن سبب إصرار هيئة التنسيق على مجرد إحالة السلسلة بالمضمون الذي أحيلت فيه والذي لم يفعل شيئاً سوى فرض الضرائب على المواطنين.
يبني هؤلاء هذا الانطباع على «خيبتهم» من حصيلة الجولات السابقة: «أنجح إضراب مفتوح حقق نتيجة فالصو». يضاف إلى ذلك أنّ المطروح حالياً من النقابيين لائحة طويلة من التعديلات لا تحصى بل تنسف الأساس الذي قام عليه المشروع المحال من حكومة نجيب ميقاتي. ومن التعديلات الموصى بها: استبدال ربط المشروع بعجز الموازنة بمادة صريحة تقضي بفتح الاعتمادات اللازمة لتغطية السلسلة، كي «لا تكون شيكاً بلا رصيد». كذلك ترفض الهيئة مبدأ الخفض والتقسيط والتجزئة للسلسلة والدرجات. وستركز في جولتها المقبلة على مجموعة أولويات كما سمتها، هي الدفاع عن المتعاقدين والأجراء والمياومين بالضغط باتجاه إفادتهم من زيادة السلسلة ورفع أجر الساعة ربطاً بزيادة غلاء المعيشة وتحويل السلسلة، فضلاً عن إنصاف موظفي الفئتين الرابعة والخامسة على أساس الحفاظ على فارق السبع درجات بين الفئتين الرابعة والثالثة والتسع درجات بين الفئتين الخامسة والرابعة وتعديل نسبة درجاتهما لتتساوى مع نسبة درجات الفئات الأخرى.
وتقول هيئة التنسيق إنّها ستضيف مادة بدفع كامل تعويض نهاية الخدمة للموظف الذي يستفيد من أحكام القانون عند تصفية حقوقه، كما ستسعى إلى رفع قيمة الدرجة للأساتذة والمعلّمين بما يؤمن المساواة ضمن الفئة، ويعيد إليهم موقعهم الوظيفيّ التاريخي. وستضغط باتجاه إدارات المدارس الخاصة بدفع زيادة غلاء المعيشة ابتداء من 2012 /2/ 1 والدرجات الأربع والنصف التي أقرها القانون 223/2012. وهنا تحذر الهيئة من استخدام مشروع السلسلة كذريعة لاعتماد الصرف الكيفي التعسفي للمعلمين الذي يحصل في هذا الشهر من كل عام.
وفي باب الضرائب تطول اللائحة أيضاً. فهيئة التنسيق تقترح فرض ضريبة على أرباح الفوائد لا تقلّ عن 15%، بما يتلاءم مع العبء الضريبي الفعلي الذي يقع على كاهل الأجور. وستدفع باتجاه السير بمقترح التعديلات على قانون الأملاك المبنيّة لناحية فرض ضريبة على الشغور وعلى أبنية المؤسسات من دون إجراء أي تعديل آخر، وكذلك السير بضريبة أرباح البيوعات العقاريّة بنسبة 15% وزيادة الغرامات على مخالفات البناء والأملاك البحريّة، والكف عن التعامل معها بمنطق التسوية.
ستسقط الهيئة المقترحات المتعلّقة بزيادة رسم الطابع المالي، ورسم الطابع على فواتير الهاتف، والرسم على الفواتير والإيصالات التجاريّة، والرسوم على معاملات كتاب العدل، ورسوم المغادرة، لما تؤدي إليه من عبء على المواطنين والمؤسسات.
وبالنسبة إلى ما سمته «بنود تخريبية»، ستركز على بقاء النص السابق لمشروع قانون التناقص التدريجي لعدد ساعات التدريس ورفض التعديل المطروح لغياب العدالة في المشروع، متمسكة بحقيقة «أنّ ربط التناقص بسن الأستاذ أو المعلم لا يوفر مالاً لأنّ ساعات التناقص هي ساعات عمل لا صفي وهي جزء من المناهج المعتمدة».
وترى أنّ عدم فتح باب التوظيف بشكل دائم ومستمر، يؤدّي إلى تقليص الفترة التي يقضيها الموظف في الوظيفة العامة.
وبموازاة ذلك، كانت هيئة التنسيق حاسمة بشأن رفض مشروع مرسوم تعديل نظام العمل الإضافي والمكافآت النقدية في الإدارات العامة وإبقاء النصوص السابقة من دون تعديل ورفض كل التعديلات الأخرى المطروحة.
وتخصص في توصياتها حيزاً لمشروع التعاقد الوظيفي فتقول إنّه «جُرّب في التعليم الرسمي مراراً وعلى مستويات مختلفة وكانت النتيجة إضعاف مستوى المدرسة الرسمية، وعدم توفير الاستقرار الوظيفي للمعلمين المتعاقدين». لا يوفر التعاقد، برأيها، المال على الدولة، فقياساً إلى المتعاقدين مع وزارة الاقتصاد ووزارة المال «يتقاضى المتعاقد أضعاف ما يتقاضاه الموظف الدائم. ولم تظهر النتائج أنّ المتعاقد أكثر إنتاجاً وقدرة من الدائم».
أما مشروع قانون نظام لتقييم أداء الموظفين فيعتمد، برأي الهيئة، «على تقدير جيد من الرئيس المباشر لاستمرار المتعاقد في وظيفته، ما يجعل من الموظف أداة طيعة في يد الرئيس الذي هو بدوره أداة طيعة في يد مرجعيته السياسية».
وفي السياق، تؤكد أهمية ربط التقييم بالحوافز والتطوير المهني، كأن يعطى الموظف درجة على كل تقدم في مستواه العلمي، أو القيام بمبادرات خلاقة. هنا تركز على عدم اعتماد التقييم وسيلة للصرف الكيفي، ما يستدعي حذف الفقرة المتعلقة باعتماد نتائج تقييم الأداء لإنهاء خدمة موظف، مع أهمية مشاركة الهيئات النقابية عند اقتراح مشروع تعديل نظام التقييم.
لم تنس هيئة التنسيق أن تحجز مكاناً في توصياتها لحماية السلم الأهلي عبر مواجهة الفتنة الطائفية والمذهبية وتوحيد اللبنانيين حول قضاياهم الحقيقية. وقد جددت الدعوة لجميع الهيئات الناشطة في مجال العمل الأهلي والمدني والنقابي، إلى تنفيذ شتى أشكال التحرك الشعبي في الساحات في القرى والبلدات والمدن، ضد الاقتتال والحروب الطائفية والمذهبية.