التسرّع بقوننة الإفادات لطلاب الشهادات الرسمية وعدم تقديم أي ضمانة بإقرار الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب صاغا الموقف الموحد داخل هيئة التنسيق وقطعا الطريق أمام الضغوط الرامية إلى إعادة إحياء خيار تصحيح الامتحانات. مكونات الهيئة التي اختلفت في مجالس المندوبين والجمعيات العمومية على مقاربة مصير ورقة المقاطعة، توافقت على أنّ مواقف وزير التربية الياس بو صعب وقرارات لجنة التربية النيابية التي بحثت الإفادات دون الحقوق أقفلت الأبواب وسدت كل الخيارات المتاحة أمام هيئة التنسيق تصحيحاً أو مقاطعة.

اللافت أن الهيئة لم تحمّل مسؤولية إعطاء الإفادة لوزير التربية وحده، بل للحكومة التي قدمت له التغطية السياسية في ذلك، وللسياسيين المختلفين في ما بينهم والمتفقين على ضرب الحقوق وهيئة التنسيق والشهادة الرسمية.
أعلنت الهيئة أن معركتها ستبقى مستمرة ومفتوحة في وجه السياسيين الذين وقفوا ضد حقوق الأساتذة والطلاب، ودعت إلى تنفيذ الإضراب الشامل في جميع الوزارات والإدارات العامة، مترافقاً مع اعتصام عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد الخميس، أمام وزارة الاقتصاد. وفيما أكدت أنّها في صدد وضع خطة تحرك للمرحلة المقبلة، جزمت بأن العام الدراسي سيبدأ طبيعياً، ابتداءً من الأول من أيلول المقبل. وهي ستدرس مع نقابة المعلمين إمكان رفع دعوى قضائية لوقف تنفيذ قرار الإفادة مع محامي النقابة زياد بارود.

إضراب شامل
في جميع الوزارات والإدارات العامة الخميس

يوم طويل أمضاه النقابيون أمس في مقر روابط التعليم الرسمي في الأونيسكو. اجتمعت الهيئات المكونة لهيئة التنسيق لتناقش كل منها بصورة مستقلة النتائج التي تلقتها من مجالس المندوبين والجمعيات العمومية. في البدء كان الانقسام واضحاً حيال التوجه النقابي الأمثل لإنقاذ الشهادة الرسمية وأشكال متابعة التحرك. فقد حسمت كل من رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ورابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي خيار الاستمرار في المقاطعة بناءً على رغبة معظم الأساتذة في القطاعين، وإن كان ذلك لا يعني غياب أصوات في رابطة الثانوي كانت تدعو إلى التصحيح، ولا سيما ممثلو حزب الله وحركة أمل.
من جهة ثانية، صوتت كل من نقابة المعلمين في المدارس الخاصة ورابطة التعليم الأساسي الرسمي مع العودة إلى التصحيح، بعدما تبين أن الجمعيات العمومية في هذين القطاعين رجّحت هذه الكفة. ففي التعليم الخاص وافق 162 أستاذاً في بيروت وصيدا والجنوب والنبطية وبعلبك ـ الهرمل على التصحيح، و120 أستاذاً في الشمال وجبل لبنان على المقاطعة. وكان لافتاً أن الجهتين أكدتا أنهما ستسيران في الموقف الذي تتخذه هيئة التنسيق مجتمعة، على قاعدة أن وحدة الهيئة مقدسة، على حد تعبيرهم. وهناك من قال إنّ الثقل الأساسي في اللجان الفاحصة من مقررين ونواب مقررين وأعضاء لجان في الامتحانات هو في القطاعين الثانوي والمهني. ومع ذلك، كانت النقاشات حامية واستغرق اجتماع هيئة التنسيق وصياغة البيان الموحد وقتاً طويلاً.
حضر خمسة طلاب إلى مقر الروابط وقاطعوا الاجتماع متمنين على أساتذتهم الذين يمثلونهم كما أكدوا العودة إلى التصحيح لكونها الوسيلة الوحيدة التي تمنع إعطاء الإفادة التي هي بمثابة جريمة بحقنا. ومما قاله الطلاب: «نحن لا نضغط عليكم للتراجع عن خطوة نقابية، لكنكم ترون الإصرار على الإفادة، ما يعني أنكم خسرتم هذه الورقة، فلماذا لا تربحون طلابكم وتعيدون إليهم الأمل بالحصول على الشهادة الرسمية التي هي بمثابة هوية، وخصوصاً بالنسبة إلى الطلاب الفقراء؟». عندها ردّ أعضاء الهيئة: «من حرمكم الشهادة، الكتل النيابية التي لم تذهب إلى المجلس النيابي لإقرار حقوق أساتذتكم واللجنة النيابية التي شرّعت لكم الإفادة، وأنتم بإمكانكم الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة، باعتباركم متضررين».
وخرج البعض من اجتماع هيئة التنسيق ليقول غاضباً: «إننا كنا نناقش جدياً العودة إلى التصحيح، إلّا أن وزير التربية لم يترك للصلح مطرح، فكلما فتحنا طاقة أغلقها، انظروا ماذا صرّح قبل دخوله إلى لجنة التربية النيابية وبعد خروجه من الاجتماع لدى سؤاله عن امكان وقف المقاطعة، قال «لقد فاتهم القطار، نحن بوادٍ وهم بوادٍ آخر، انتهى الوقت لقد طبعنا الإفادات وأخذها من قرر الذهاب لمتابعة دراسته في الخارج، لا عودة إلى الامتحانات. من يضمن سلامة الامتحانات؟ ومن يضمن ألا يضربوا عن الدورة الثانية». هنا ردت هيئة التنسيق بالقول: «هذا ليس إلاّ تمهيداً لخصخصة الامتحانات بحجة عجز الدولة والوزارة عن إجرائها، وهذا يظهر بوضوح من الحريص على مصلحة الطلاب والأهالي ومن يأخذهم رهائن ويضرب الشهادة اللبنانية». وعلّق أحدهم: «لقد فوّت الوزير الفرصة بالعودة إلى التصحيح، فبدلاً من أن تدرس اللجنة النيابية المسألة الأساسية أي السلسلة تناولت القضية الفرعية أي الإفادات». وتدخل آخر: «قلت لكم منذ البداية إن هناك قراراً سياسياً بعدم إعطائنا سلسلة، والدليل أنهم لم يقدموا لنا أي ضمانة». وتدخلت إحدى المعلمات فقالت: «كلام الوزير غير مسموح، هو يشكك بمناقبيتنا ويمارس حرب إلغاء ضدنا، بل إنه يتأكد يوماً بعد يوم أن هناك سياسة ممنهجة لضرب التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، وإلا فما معنى أنهم في الوقت نفسه الذي يقوننون فيه الإفادة يدرسون فيه الترخيص لـ6 جامعات خاصة و12 كلية».
أجواء لجنة التربية النيابية و تصريحات بو صعب التي كانت تبث عبر وسائل الإعلام أثارت غضباً في صفوف الحاضرين، فراحوا يتناقلون الأخبار العاجلة التي كانت تصلهم عبر هواتفهم الخلوية. البعض كانت لديه مقاربة مختلفة. ما فعلته لجنة التربية النيابية (القوى السياسية) هو إعادة ما يسمى نقابيين حزبيين إلى قرار هيئة التنسيق النقابية.
الهيئة أشارت في بيانها إلى أنها تخوض منذ 3 سنوات معركة بناء حركة نقابية ديموقراطية مستقلة بمواجهة تحالف مالي ـ سياسي يريد ضربها واحتواءها وإفشال تحركها وشقها بشتى الأشكال والأساليب السلطوية والضغوط وكل أشكال الترهيب والترغيب. ونفت أن تكون هيئة التنسيق سبب لجوء الوزير إلى الإفادة، بل من يتحمل المسؤولية هو الوزير الذي «طلب منا مراقبة الامتحانات ومقاطعة التصحيح» والسياسيون الذين أوقعوا البلاد في حال الشلل لكل المؤسسات الدستورية وانعكست في عدم حضور بعض الكتل النيابية جلسات التشريع في المجلس النيابي.