ببطء، ولكن بخطى ثابتة، تتحوّل الجامعة اللبنانية نحو «الإنتاج العلمي». على الرّغم من الظروف الاقتصادية الضاغطة، تحاول خدمة المجتمع بشتّى المجالات، آخرها التحضير لـ«خط الإنتاج الخاص بأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية»، حيث وصلت إلى مرفأ بيروت، مطلع الأسبوع، باخرة تحمل على متنها المعدّات اللازمة لذلك على سبيل الهبة من شركة أبو غزالة التقنية، لترسم بعداً جديداً في «تسييل العلوم وسدّ الثغرات في لبنان».يأتي هذا العمل في جامعة مليئة بالكفاءات التدريسية والبحثية، من أساتذة وطلاب، ولكنّها كانت دائماً في حاجةٍ إلى رابط مع المجتمع المحيط ليستفيد من كفاءاتها من جهة، ويفيدها من جهة أخرى بمراكمة الخبرات، وهذا ما يتجلّى على المستوى الاستشفائي والعيادي في المركز الصحي في مجمع الحدث الجامعي، الذي يخدم أهل الجامعة والمجتمع المحيط طبياً، والمراكز الطبيّة في كليتي الطب العام وطب الأسنان، كما مركز فحص جودة الماء والدواء في كليّتي الصيدلة والصحة.

الخط في الفنار
المعدّات التي وصلت إلى مرفأ بيروت، انتقلت إلى كلية العلوم- الفرع الثاني في مجمع الجامعة اللبنانية في الفنار، حيث سيركّب خط الإنتاج المقدّم من شركة طلال أبو غزالة التقنية، بغية «إنشاء أول مصنع للأجهزة الإلكترونية في لبنان، والرابع للشركة، بعد مصر والأردن والصّين». خط التجميع هذا سيوفّر فرصة التدريب التقني العملي لكادر مكوّن من طلاب الجامعة اللبنانية المتخصّصين في مجال التكنولوجيا، الإلكترونيك والمعلوماتية، ما سيؤمن الخبرة العملية الأساسية للخرّيجين في هذا المضمار، ويدخل فكرة «الإنتاج العلمي العملي» إلى الجامعة اللبنانية، كما سيرفد السّوق اللبناني ببعض احتياجاته من هذا الصّنف من الأجهزة الإلكترونية بـ«أعلى المواصفات والأسعار المنافسة».
«تمّ إيجاد الموقع المناسب في كليّة العلوم، وهناك أعمال إضافية ليتناسب المكان مع هكذا نوع من الأعمال» يقول مدير كليّة العلوم-الفرع الثاني الدكتور إيلي الحاج موسى، ولكن «لم يبدأ التركيب بعد، ريثما يصل الفريق التقني من الشّركة، وتأمين كلّ البنية التحتية اللازمة»، إذ يستلزم تشغيل خط الإنتاج، وتركيب هذه الأجهزة عزل الغرفة عن الغبار مثلاً، بالإضافة إلى ضرورة تأمين بعض التجهيزات الكهربائية. ويختم الحاج موسى بالتأكيد على «أفضلية أساتذة الجامعة اللبنانية وطلابها في تشكيل الفريق العامل».
من جهته يشير ممثل شركة طلال أبو غزالة في لبنان برهان الأشقر إلى «قرب وصول فريق من الشركة مهمته جمع الخطوط، وتحضيرها للعمل، وتدريب الفريق اللبناني خلال الأسابيع القادمة»، ويضيف الأشقر: «هذه خطوة أولى، سيلحقها تركيب خطوط تجميع أخرى في حال تبيّن
أنّ السّوق اللبناني يحتاج إلى إنتاج أكبر».

آفاق المشروع
المصنع العتيد يشكل ثمرة تعاون قديم بين الجامعة اللبنانية من جهة، والشركة الأردنية من جهة ثانية، و«اليوم علينا إنهاء الشّق القانوني وتأمين البنية التحتيّة، وتركيب خط الإنتاج، ومن ثمّ نذهب إلى التوظيف»، بحسب رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسّام بدران، مبشّراً بـ«موافقة اللجنة القانونية الاستشارية في الجامعة على نصّ الاتفاق». ويوضح «بعد إرسال الملاحظات من الشّركة الأم، علينا مطابقة التعديلات القانونية الواردة من قبل اللجنة نفسها على الاتفاق»، أمّا عدد العاملين من مختلف الاختصاصات على الخط الواحد، فيبلغ «20 شخصاً، تؤمّن أجورهم من عائدات المشروع بحسب القرار 1273، الذي يجيز استخدام 30% من الوفر أيضاً لدعم موازنة الجامعة».
تؤمّن عائدات المشروع أجور العاملين كما تحوّل 30% منها إلى موازنة الجامعة


الجامعة لن تتكلّف بشكل مباشر إلا على المكان والبنية التحتية الملائمة والفريق العامل، في المقابل ستستفيد على أكثر من جهة، إذ يؤكّد بدران «أهميّة المشروع على مستوى تقديم فرص العمل للكادر الجامعي، والتدريب للطلاب، لتحصيل الخبرات ودعم أعمالهم في وقت لاحق، ونقلهم إلى سوق العمل ولا سيّما على مستوى تقديم الأفكار لمن يريد منهم إطلاق الشركات الناشئة، بالإضافة إلى الاستفادة من المنتجات في بيعها وتسويقها وتوريدها إلى أسواق خارجية»، ويتوقّع «إمكانية التوسّع، وتركيب خطوط إنتاج أخرى، عند الحاجة، في الحدث والشمال»، ويرى بدران أساس تطوّر الفكرة في «الكلفة القليلة والكفاءة العالية».

نحو جامعة منتجة
إستراتيجية تحويل الجامعة اللبنانية إلى «جامعة بحثية تدريسية منتجة للعلم، مساعدة على إقامة الشّركات الناشئة» يعمل بدران على الترويج لها، كما «إعادة دورة الإنتاج إلى الجامعة». فرغم الصّعوبات والتعقيدات المرافقة، يدرك بدران تماماً «أهميّة ربط النظري بالعملي، وأنّ الإنتاج من الصّفر صعب، بالتالي العمل سيكون خطوةً بخطوة»، وفي خطوط الجمع العتيدة، «الانطلاقة ستكون بتركيب القطع ببعضها، ومن ثمّ تتوسّع قدرات الفريق العامل لينتج بعض المكوّنات، أو الاستقلال التقني التام ربّما». ويشير بدران أيضاً إلى خطط طموحة لـ«إقامة معمل دواء ينتج بعض الأدوية البسيطة أولاً، ولو مركّبين فقط». كما تشغيل مطبعة في الشمال يؤمل منها خدمة الجامعة من خلال طباعة مقرّراتها وحاجاتها الورقية، بالإضافة إلى إدخال ثقافة إعادة تدوير الورق الكم الضخم المستخدم سنوياً في الجامعة، وهذا ما يقدّم خدمات كبيرة للدولة.