تستمر «انتفاضة أساتذة التعليم الثانوي» بإقفال معظم الثانويات، وشلّ العمليّة التعليميّة بشكل شبه تام، إذ لا تخلو ثانوية من وجود أساتذة يرفضون العودة، حتى تلك الواقعة «تحت السيطرة التامة لرابطة الثانوي»، وهي قليلة ومعدودة على أصابع اليد الواحدة. وفي رقم منسوب إلى مديرية التعليم الثانوي، يقدّر عدد أساتذة التعليم الثانوي المضربين بـ 4500، فيما يبلغ عددهم الكلّي في الملاك 7002، يقوم حوالي 5500 منهم بأعمال تدريسية، ما يزيد من نسبة المضربين التي يقاتل على صحّتها طرفا المشكلة، رابطة الثانوي ووزارة التربية والمكاتب التربوية من جهة، والأساتذة المنتفضون من الجهة الثانية.
اللجنة الوليدة
وبعد أسبوعين على تفرّد رابطة الثانوي بإعلان فكّ الإضراب، ولدت، أمس، ومن رحم الفوضى والفراغ، «لجنة الأساتذة المنتفضين»، مكوّنةً من 13 أستاذاً من النقابيين وقادة التحرّكات في المناطق. وأكّدت اللجنة في بيانها الأول «أنّها أتت بناءً على الحاجة لوجود ثلّة من النقابيين لحمل مطالب الأساتذة بأمانةٍ وقوّةٍ، ودفع أيّ ظلم أو تعسّف»، بالإضافة إلى «عدم ادّعائها تمثيل الجميع». ووضعت ثلاثة أهداف للعمل عليها بدايةً: «رصّ الصفوف، متابعة المطالب من خلال لقاءات المسؤولين والدفاع عن حقوق الأساتذة».

ترحيب وتوجّس
استقبل معظم الأساتذة الإعلان بالترحاب والتوجّس معاً، فـ«هي حاجة مقابل تفرّد رابطة الثانوي بالقرارات والتمثيل والتفاوض» يقول أستاذ نقابي من منطقة بعبدا، ويشير إلى بيان رابطة الثانوي الأخير واصفاً إياه بـ«بيان السلطة»، لأنّه يرى فيه «وعوداً لا تنفّذ، ودعوات لإعادة تسيير العمل بالموجود». وكانت رابطة الثانوي قد أصدرت بياناً نهاية الأسبوع الماضي يطلب من وزارة التربية «الإسراع في دفع بدلات الإنتاجية»، ومن وزارة المالية «انتظام صرف بدلات النقل»، ومن حاكم مصرف لبنان «تخصيص صيرفة خاصة للأساتذة»، بالإضافة إلى «رفع تغطية الفاتورة الاستشفائية والطبابة»، وهي المطالب ذاتها التي بدأ على أساسها الإضراب، قبل أن يختتم البيان بالدعوة إلى «العودة الكاملة إلى التعليم».
أمّا التوجّس فيعود لأمرين: «حصرية تمثيل الروابط للموظفين بحسب القانون، والخوف من انقسام المعارضة مرّة ثانية كما حصل يوم انتخابات الهيئة الإدارية» وفق بعض الأساتذة، ما قد يؤدّي بالتالي إلى «عدم تجاوب الوزارة والجهات الرسمية مع اللجنة الجديدة من جهة، وضياع التحرّك من جهة ثانية».
الاستشفاء أهمّ من الرواتب والحوافز تعني ضياع التدرّج والتقاعد


لن نقتل الناطور
وللإجابة عن هذا التساؤل، يعيد أحد أعضاء «لجنة الأساتذة المنتفضين» هلال فتال التذكير بـ«تجربة الأساتذة في دورة عام 2016، عندما فرضوا التمثيل بقوّة العدد والتأثير على الأرض، فتمكّنوا وقتها من تنظيم أنفسهم خارج إطار الرابطة، ومتابعة وتحقيق مطالبهم». يذكر أنّ دفعة سنة 2016 هي آخر من دخل إلى ملاك التعليم الرسمي. ويتوقّع فتال «في حال بقاء زخم الإضراب عالياً، عودة المفاوضات مع الدولة والوزارة، فكتلة الـ 4500 أستاذ تعليم ثانوي مضرب لا يمكن تجاهلها».
من جهته، يقول النقابي حسن مظلوم «لا نريد قتل الناطور، ومستعدون للحوار على المطالب الحقيقية، لا على المكرمات التي تأتي منقوصة»، ويدعو وزير التربية والهيئة الإدارية في رابطة الثانوي إلى «الاقتناع بالمرجعية الجديدة، والتفاهم على لملمة القطاع التربوي»، مؤكّداً «أنّ مطلب الاستشفاء أهمّ من الرواتب، والحوافز لا تدخل في صلب الراتب ما يعني ضياع التدرّج والتقاعد». يرى مظلوم اللجنة كـ«مرجعية نقابية بحكم الأمر الواقع، لا رابطة بديلة، وهي ستتابع أمور الأساتذة المتروكين عرضةً للتهديدات والنهب النقابي، وستسدّ الفراغ لنقل الانتفاضة من مرحلة العفوية إلى التهديد».



الأساتذة المستعان بهم من دون أجور
لا يزال الأساتذة المستعان بهم في التعليم الثانوي من دون تعويضات أو بدلات إنتاجية، إذ لم تدفع وزارة التربية لهذه الفئة من المعلّمين، والتي يبلغ عدد أفرادها في الثانوي 627 أستاذاً، أيّ مبلغ مالي سواء كان أجوراً أو حوافز عن هذا العام، كما أنّ بعضهم لم يقبض شيئاً عن السنة الماضية أيضاً.
في المقابل، تطلب منهم الوزارة «العودة إلى التعليم»، وهم بحسب بيانٍ صدر عنهم أمس «غير قادرين على تأمين بدل النقل للوصول إلى المدارس»، داعين وزير التربية إلى «تقديم توضيحات حول مصير مستحقاتهم».