يحتلّ سرطان عنق الرّحم المرتبة الرابعة للأمراض الخبيثة الأكثر شيوعاً بين النّساء في العالم، والمرتبة العاشرة لأكثر السّرطانات فتكاً. ضحاياه من النّساء فقط، على الرّغم من إصابة الرجال والنساء بالفيروس المسبّب له. وتُشخص غالبية حالات الإصابة به لدى النساء بأعمار تُراوح بين 35 و44 سنة، ومن النادر أن يصيب الشّابات الصغيرات اللواتي تقل أعمارهنّ عن 20 سنة. يناهز عدد المصابات به حديثاً عالمياً الـ700 ألف، 90% منهنّ مواطنات في دول ذات داخل منخفض، حيث لا توجد برامج طبية مناسبة، أو توعية مجتمعية فعّالة.في عام 2020 تسبّب بموت أكثر من 340 ألف امرأة في العالم، 130 منهنّ في لبنان، حيث تُسجّل كلّ عام زيادة بحوالي الـ100 إصابة جديدة، وآخر تقرير لوزارة الصحة في عام 2019، يذكر 108 إصابات جديدة، إذ يبلغ معدّل الإصابة به لبنانياً 4 نساء لكلّ 100 ألف، وتُراوح أعمار المصابات به بين 35 و74 سنة.

أسباب السّرطان
يُعتبر فيروس الورم الحُليمي البشري HPV (Human Papilloma Virus) السّبب الأساسي في الإصابة بهذا السّرطان. أكثر من 95% من النّساء المصابات يحملن الفيروس، أو أُصبن به خلال مرحلة معيّنة من حياتهنّ. وينتقل الفيروس بشكل رئيسي من ممارسة جنسية مع شريك مصاب، إذ تكفي الملامسة الجلدية بين الشّريكين لنقل الإصابة، التي لا تتسبّب لمعظم الرجال الحاملين للفيروس بأيّ عوارض، بل يتلاشى المرض خلال سنتين تلقائياً، أمّا لدى 10% من النساء المصابات، فالعدوى الفيروسية ستصبح مزمنة، وتتحوّل الآفات والعوارض مع الوقت إلى سرطان عنق الرحم. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ هناك أكثر من 100 سلالة من فيروس الورم الحُليمي، اثنتان منها تتسبّبان بتحوّل سرطاني، فيما تؤدي البقية إلى أمراض جلدية وتناسلية.
ويستغرق تطور السّرطان بعد الإصابة بالفيروس لدى النساء صاحبات النظم المناعية العادية مدّة تُراوح بين 15 و20 عاماً، وقد لا يستغرق تطوّر السّرطان سوى 5 سنوات لدى النساء اللاتي يعانين من ضعف نظمهن المناعية، كحاملات فيروس نقص المناعة البشرية HIV، واللواتي لا يتعالجنّ منه، فيصبحن أكثر عرضة 6 مرّات للإصابة.

درهم الوقاية
في المقابل، يساعد التطوّر الطبي في الحدّ من انتشار هذا النوع من السّرطان، إذ تعتبر منظمة الصحة العالمية أنّها قادرة بحلول عام 2045 على تخفيض معدّل الإصابات بنسبة 42%، وللوصول إلى هذه النتيجة يعتمد على طريقتين، الأولى تقوم على التشخيص المبكر، والثانية اللقاح.
وعليه، يكمن «الخلاص» بحسب أحد الاختصاصيين في الطب النسائي بـ«الزيارة السّنوية للعيادة النسائية، والفحص السّريري المرافق، وما يتخلّله من اختبار مسح عنق الرحم، أو ما يُعرف بفحص الزجاجة»، إذ من النادر أن تصاب امرأة بسرطان عنق الرحم في حال كانت تخضع دورياً لهذا الفحص، وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية، «يجب خضوع النّساء لهذا الفحص كلّ 3 سنوات، ابتداءً من عمر الـ21، أو أقلّ في حال كانت الممارسة الجنسية للمرأة بدأت في عمر أصغر».
يستغرق تطور السّرطان بعد الإصابة بالـHPV مدّة تُراوح بين 15 و20 عاماً


وفي لبنان، لا تبشر أرقام خضوع النساء للفحص بالخير، فبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، «تخضع امرأة لبنانية واحدة من كلّ 10، تُراوح أعمارهن بين 30 و45 سنة، للفحص». وتقوم الفكرة الأساسية لـ«اختبار الزجاجة» على أخذ عيّنة من خلايا عنق الرّحم، وفحصها مخبرياً بغية معرفة شكلها والتغييرات التي طرأت عليها، وتشير في حال وجودها إلى الإصابة بفيروس الورم الحُليمي. وفي حال تبيّن وجود خلايا غير طبيعية، يلجأ الطبيب المعالج إلى تحديد نوع الفيروس الموجود لمعرفة إن كان ينتمي إلى الفئة الخطيرة، وفي مراحل المرض الأولى يُعالج بالكي، أما إذا كان السّرطان في مرحلةٍ متقدمةٍ، فيأخذ العلاج منحى آخر. ويذكر أنّ السّيدات المصابات لا يعانينّ من أيّ العوارض خلال المراحل الأولى للمرض، ولكن بعد تطوّر السّرطان يشتكين من ألم عند المجامعة، نزيف، مشاكل في البول، إفرازات كثيفة، وخسارة في الوزن.

لقاح غير إلزامي
بالإضافة للفحوصات، هناك اللقاح المضاد للفيروس، والمعروف عنه أيضاً بـ«اللقاح الوحيد المضاد للسّرطان». يخفض هذا الأخير خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم بنسبة 88% للفتيات الملقّحات قبل سن 17، ويساهم بحماية من تلقّين اللقاح في سن متأخرة أيضاً، فوق الـ30 سنة، إنّما بنسبة أقل، بحسب الدراسات. ولكن تبقى المشكلة الأساسية في هذا اللقاح، عدم إلزاميته في معظم دول العالم ومنها لبنان، حيث يصل سعره في المستوصفات إلى ما يقارب الثمانية ملايين ليرة اليوم، ما يجعله خارج متناول معظم الناس. هذا وتوصي الجهات الطبية العالمية بإعطاء اللقاح المضاد لفيروس الورم الحليمي للفتيان والفتيات على حدّ السّواء من عمر 9 سنوات، حتى 12 سنة (قبل عمر النشاط الجنسي)، ويشار أيضاً إلى إمكانية أخذ اللقاح حتى عمر 26 سنة.