منذ شهر حزيران الماضي، صارت أكوام النفايات المتراكمة جزءاً من شارع صيدا. حينها، انتهى عقد شركة NTCC المكلّفة بكنس وجمع ونقل النفايات. وبعد ضغط من بلدية صيدا، وافقت على تمديد العقد حتى رأس السنة بعد تأمين تبرعات، مكّنتها جزئياً من صيانة شاحناتها وتوفير المازوت لها. مع اقتراب انتهاء العام، لم تظهر بوادر الإفراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل، وعن مستحقات الشركة المتراكمة لدى وزارة المالية منذ شباط 2019 (بحسب بيان صدر عنها أمس). فاجترح رئيس البلدية محمد السعودي إنشاء صندوق يتغذى من تبرّعات المقتدرين، يموّل أشغال الشركة. وفيما قُدّر المبلغ المطلوب بـ300 ألف دولار، لم تجمع التبرعات سوى 160 ألفاً. إزاء العجز المالي، قرّرت الشركة عدم تجديد العقد مع البلدية التي وضعت دفتر شروط قدّمته إلى هيئة الشراء العام لدراسته. وفي الانتظار، تطرح البلدية مناقصة للتعاقد مع شركة جديدة. حتى ذلك الحين، تسيّر المدينة شؤونها في أزمة النفايات بما يشبه الإدارة المدنية وسط روايات متضاربة تطلقها الجهات المعنية، منها تأكيد شركة NTCC المقرّبة من تيار المستقبل، أن البلدية لا تريد تجديد العقد معها بحسب بيانها الصادر أمس. فيما أكد السعودي في حديث لـ«الأخبار» أن أصحابها هم من يرفضون لأن «ما بقى توفّي معهم». وفي سياق الإدارة المدنية، بدأ 25 عاملاً من بلدية صيدا يوم الإثنين الماضي، وسيستمرون على مدى عشرة أيام، بكنس شوارع المدينة من النفايات المتراكمة فيها، ببدل أتعاب 90 ألف ليرة يومياً لكلّ عامل أي ما يعادل حوالي 500 دولار أميركي، جاءت مبادرة المؤسسات الأهلية في المدينة لترقيع جريمة هدر عشرات ملايين الدولارات طوال السنوات الماضية. لكن المبادرة الأهلية لا تشمل جمع النفايات ونقلها.
شركة NTCC أعلنت في بيانها أمس أنها تقوم بالجمع والنقل بحسب الإمكانات المتاحة. وإذا كانت المساعي تجهد لرفع النفايات من المدينة، لكنها لن تكون سوى إخفاء للأزمة. ومهما كانت الكميات التي تُنقل إلى معمل فرز ومعالجة النفايات، فإنها لن تكون سوى إضافة على المكب الناشئ في محيطه.

عرض من «الجلخ غروب»
وكانت شركة «الجلخ غروب» تقدّمت قبل نهاية الشهر الماضي، بعرض إلى بلدية صيدا يتضمن إنشاء معمل جديد لمعالجة النفايات الصلبة، ومحطة لتكرير الصرف الصحي ومراكز لمعالجة العوادم والبلاستيك والزيوت، فضلاً عن إزالة جبل النفايات الحديث. واشترطت الشركة لتشييد منشآتها منحها 150 ألف متر مربع من ضمن مساحة الـ550 ألف متر مربع التي تكوّنت بعد إزالة جبل النفايات القديم وإنشاء حاجز بحري بينه وبين البحر.
يشكك السعودي في جدية العرض، ويلفت لـ«الأخبار» إلى أن ما تعرضه الشركة «يحتاج إلى تكاليف باهظة وإمكانات لوجيستية في ظل الأزمة العامة، فضلاً عن أنها لن تبدأ بالعمل قبل ثلاث سنوات».

المعمل يتقلّص والجبل يرتفع
لا يبدو أن معمل صيدا سيخرج قريباً من جلباب شركة IBC التي تشغله منذ عام 2012. وبالنظر إلى عقد التشغيل، لا يبدو أن بلدية صيدا ستخرج من جلبابها أيضاً. عام 1998، وقّعت البلدية برئاسة هلال قبرصلي المقرّب من آل الحريري، عقداً مع الشركة التي يملك غالبية أسهمها أمراء سعوديون. البلدية نفسها، أجازت لها ردم حوالي 38 ألف متر من البحر لزوم تشييد المعمل. وبعد سلسلة قرارات رسمية جاءت لصالحها، منها رفع بدل معالجة طن النفايات إلى 95 دولاراً عام 2012 (بحسب دراسة لتجمّع علّ صوتك)، أحكمت الشركة قبضتها على المعمل ومحيطه. لكن الملايين التي عادت لها، لم تنفق منها مبالغ كافية لفرز النفايات ومعالجتها بحسب التقنية التي اعتمدتها (المعالجة اللاهوائية).
عام 2016، كشفت إدارة الشركة بنفسها، سوء تشغيلها وادّعاءاتها بقدرتها على استيعاب حوالي 600 طن يومياً. حينها، وافقت على استقبال 250 طناً يومياً من مدينة بيروت. بعد أشهر قليلة، بدأ يرتفع جبل جديد، فيما سُجل رمي نفايات غير معالجة وردميات في البركة التي نشأت بين الحاجز البحري واليابسة.
يكنس 25 عاملاً من بلدية صيدا شوارع المدينة ببدل أتعاب 90 ألف ليرة يومياً


لا يوافق المهندس محمد دندشلي على نسب أزمة المعمل الحالية إلى انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع كلفة صيانة المعدات. وفق دندشلي، العضو في «علّ صوتك»، فقد «راكم أصحاب الشركة أرباحاً قُدّرت بـ166 مليون دولار منذ عام 2012 برغم سوء المعالجة والإجحاف الذي مورس بحق العمال من أجور متدنية وشروط سلامة رديئة».

تشغيل بنسبة 30%
في حديثه لـ«الأخبار»، ينفي السعودي توقف المعمل، لكنه يقرّ بأنه يشتغل بنسبة 30% فقط. «كمية نفاياتنا قليلة من صيدا وأعضاء اتحاد صيدا – الزهراني لا تزيد عن 140 طناً، إضافة إلى حوالي 20 طناً من اتحاد بلديات جزين. تقلص حجم النفايات بعد توقف بيروت عن إرسال 250 طناً من جهة، وبعد تراجع الكميات التي يتخلص منها الناس في ظل الأزمة الاقتصادية. فضلاً عن أن نكّاشي المكبات يقلصون الكميات». يستغرب «ادعاءات البعض بتوقف المعمل. إذا كان لا يعالج النفايات، من أين يحصل على الغاز لتشغيل المولدات الخاصة به؟». مع ذلك، لا ينكر بأن الآلات تحتاج إلى الصيانة. لكنه ينفي بأن الجبل الحديث يتكون من النفايات «إنه عوادم والمواد المطحونة الناتجة من معالجة النفايات. لكن الشركة لا تملك إمكانات نقله من مكانه، إذ فكرت بنقله إلى البركة المجاورة التي تبعد مئة متر فقط، فإنها تحتاج إلى مليون دولار».



ياسين: المعمل حالته صعبة
يحسم وزير البيئة ناصر ياسين لـ«الأخبار» الجدل القائم حول معمل صيدا. «حالته صعبة كثيراً ويحتاج إلى إعادة هيكلة». يستند في تقييمه إلى الكشف التقني والهندسي الذي أجراه أخيراً فريق من الوزارة، وأنجز تقريراً خاصاً به سيرسله إلى بلدية صيدا خلال أيام. ويلخص ياسين التوصيات اللازمة ليخرج المعمل من أزمته بـ«صيانة معداته واستبدال بعضها وتوافر مطمر صحي للعوادم وتصحيح آليات التمويل والحكومة والإدارة». ويلفت إلى أن المعمل «لم يعمل يوماً كما يجب. لذا كان من الخطأ استقبال النفايات من هنا وهناك». ولتصحيح المسار، نصح البلدية بلعب دور أكبر في مراقبة عمل الشركة وإنجاز عقد جديد يضمن المحاسبة والمراقبة.