وسط زحمة السير الخانقة في بيروت، تلمح عربة الـ«توك توك» الصغيرة تخترق طوابير السيارات، وتتعرّض بدورها لمضايقات. وإن اقتربت أكثر من العربة الصفراء سيظهر أمامك رجل مبتور القدمين يمسك بأزرار «الفيتاس» و«الدوبرياج»، ينتظر زبائنه في مساحة تتسع فقط لثلاثة ركاب. منذ شهرين تقريباً، يقود محمد الماضي (50 سنة) عربة «توك توك» متنقلاً في المدينة، بعدما غزت هذه الظاهرة الأرياف والمناطق البعيدة كالبقاع واستطاعت أن تثبت نفسها في مشهد النقل الخاص. القيادة بعربة صغيرة في المدينة الشاسعة ليس بقرار هيّن على أيّ كان، وسط الفوضى التي تعتري بيروت وضواحيها، والمزاحمة الشرسة على الزبائن من قبل سيارات الأجرة. فكيف إذا كنا أمام سائق مبتور القدمين، يعلّق كرسيه المدولب خلف العربة، ويحاول تأمين قوت يومه، ويدخل هذه المهنة بتصميم وإرادة، بما أن القيادة في هذه المدينة تحتاج إلى «قلب قوي» كما يقول.
قبل الأزمة، كان يعمل على سيارته الخاصة مستأجراً نمرة عمومية، لكن عندما طالبه صاحب النمرة بزيادة مالية قرّر بيع سيارته وإرجاع النمرة إلى صاحبها. وبناء لنصيحة صديقه، اشترى «توك توك» بمبلغ ألفي دولار. لم يتردّد لأن ظاهرة الـ«تاكسي- توك توك» بدأت تفرض نفسها على مشهد النقل في لبنان منذ عام تقريباً، وإن بدأت في المدن الصغيرة والأرياف حيث بات المشهد مألوفاً. أما في بيروت، فقد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت لكي يعتمد البعض هذه الوسيلة في تنقلاتهم. هذا ما عانى منه الماضي، طيلة شهرين، ليصل اليوم إلى القول «مشي الحال» بعدما أضحى لديه زبائن يتواصلون معه على هاتفه الخاص.
صعوبات جمّة اعترضت عمل الرجل الخمسيني الذي أصابه مرض السكري باكراً ، من ضمنها تركيبة السيارة الميكانيكية، ووجود أزرار «الفيتاس» و«الدوبرياج» على ناحية اليسار، واضطراره إلى نقلها -بمساعدة متخصص- إلى اليمين بسبب ضعف يده اليسرى، عدا عن مزاحمة أصحاب سيارات الأجرة له، وصولاً إلى مضايقته ومحاصرته، واتهامه بسرقة الزبائن، بما أن التسعيرة المعتمدة (30 ألفاً) تعتبر أرخص من تسعيرة الفان والسيارة العمومية. هذه المضايقات تتوقف لدى هؤلاء عندما يقتربون من عربة «توك توك» ويعاينون وضع الرجل الصحي، فيتراجعون. وعلى الرغم من توفير العربة الصغيرة للمحروقات (200 ألف في اليوم الواحد)، إلا أنها لا تستطيع تأمين الحد الأدنى من العيش في هذه الظروف الصعبة، فتسهم مساندة زوجته المالية بسد هذا العجز.
كان يعمل على سيارته الخاصة مستأجراً نمرة عمومية وعندما طولب بزيادة باع السيارة


ليس سهلاً تكوين شبكة من الزبائن لعربة صغيرة تتسع فقط لثلاثة ركاب. يحتاج الأمر إلى أن يعتاد الزبون على ركوب هذه العربة، وهو الذي لا يزال يستغرب سؤاله عن وجهته. ينتقد الماضي، ميل اللبناني نحو «الفخفخة» واختياره لسيارة أجرة حديثة، وتجاهل بقية السيارات قديمة الطراز، وأيضاً لعربة الـ«توك توك». في المقابل، هناك زبائن أعجبتهم التسعيرة وباتوا على موعد يومي مع «توك توك» يوصلهم إلى مراكز أعمالهم. ماذا عما يمكن أن تسبّبه هذه العربة من حوادث، قد تكون «خطرة»، يقول الماضي «الي كاتبه ربنا بصير»، مشيداً بهيكلها الحديدي «القوي».