من جهته، يقول مسؤول جهاد البناء في المنطقة الأولى (صور، بنت جبيل ومرجعيون) سليم مراد إن «المزارعين بدأوا عملياً بالزراعة التخصصية والمنتجة، لذلك قصدوا زراعة الخروب والحمضيات والأفوكا، إضافة إلى الزيتون الإسباني لوفرة إنتاجه، فالهدف اليوم هو كثرة الإنتاج وقلة التكاليف مع ضمان أسواق للتصريف».
أشجار الخروب: رزق الأهالي والبلديات
قبل أن ينخرط الناس في زراعة أشجار الخروب، أولت البلديات هذه الزراعة اهتماماً منذ تسعينيات القرن الماضي، فكانت تزرعها على الطرقات وفي بعض الأماكن العامة. لم يكن الاهتمام في إطار تعزيز الإنتاج، بقدر ما كان تجميلياً وزيادة مساحات الغطاء الأخضر وخصوصاً أنّ الخروب من الأشجار الحرجية التي تنمو بسرعة كبيرة نسبة إلى باقي الأشجار الحرجية الأخرى.
بعد عام 2000، بدأت أشجار الخروب تنتج ثمارها، وعملت البلديات ومعها أصحاب الأراضي الذين اتجهوا نحو تلك الزراعة على استغلال الثمار وتصنيع الدبس وتوزيعه بالمجان أو بأسعار بخسة على الأهالي. ونتيجة لانتشار أشجار الخروب في معظم القرى والبلدات الجنوبية، أنشأ عدد من المستثمرين، ولا سيما في بلدة طيرفلسيه معاصر لدبس الخروب، وكان أصحاب المعاصر يشترون كيلو الخروب بألفي ليرة تقريباً. لكن في السنوات الأخيرة، تنبه المزارعون إلى أن للخروب فوائد أخرى، منها استخدامه لصناعة أدوات التجميل وبعض الأدوية العلاجية الأخرى. يقول حسين فرحات، تاجر الشتول إن «شركات أجنبية تشتري الخروب بأسعار مرتفعة، ولا سيما بذار الخروب التي تُستخدم لصناعة الأدوية، إضافة إلى استخدامها في صناعة الشوكولا وحليب الأطفال أيضاً».
أما بالنسبة إلى الإنتاج، فـ«وفير»، يضيف المزارع خالد فياض، لافتاً إلى أن «شجرة خروب واحدة متوسطة العمر قد تنتج 100 كلغ على أقلّ تقدير، أي ما يزيد على 5 ملايين ليرة، علماً أن ثمن الكيلو الواحد في الخارج يزيد على 10 دولارات». وما يميّز هذه النبتة أنها «يمكن أن تنمو في بيئات مختلفة، ساحلاً وجبلاً، وعلى ارتفاع يزيد على 800 متر، كما أنّها تُزرع في مناطق بعلية ومحدودة الأمطار وفي الأراضي الفقيرة والقابلة للانجراف»، بحسب المهندس الزراعي سليم مراد. كما أنها «تُعدّ من الأشجار المعمّرة، وتؤمن الغطاء النباتي الجميل، إضافة الى فوائدها الاقتصادية والاستفادة من بقايا العصر في صناعة الأسمدة العضوية والأعلاف». وبهذا تُعدّ الشجرة رزقاً يستفيد منه الأهالي… والبلديات. وفي هذا الإطار، يشير رئيس بلدية الطيبة، عباس ذياب، إلى أن «البلدية زرعت منذ سنوات عدّة مئات الأشجار من الخروب، وباتت ثمارها اليوم تحقق دخلاً سنوياً للبلدية يزيد على 9 آلاف دولار، تساعد البلدية في هذه الأوضاع الصعبة على تخطي الأزمة وخدمة الأهالي».
الأفوكا: الزراعة الأكثر ربحاً في الجنوب
قبل تسع سنوات، قرّر أحمد الزين زراعة الأرض التي يملكها في بلدة ديركيفا (صور)، بما يقرب من عشرين شجرة أفوكا. لم يكن يحسب أنه سيصل إلى يوم ينتج فيه «سنوياً ما يزيد عن 1000 كيلو، وهو إنتاج قابل للزيادة سنة بعد أخرى». اختار الزين الأفوكا لسهولة زراعتها ولكونها لا تحتاج إلى عناية كبيرة، كما يمكن لها أن تنمو على ارتفاع 700 متر وما دون، «وقد نجحت هذه الزراعة قرب نهر الليطاني وفي سهول الوزاني، وكذلك في مناطق مرجعيون وبنت جبيل التي ترتفع بعض قراها عن 600 متر».
قد يكون الزين من أوائل الذين بدّلوا روزنامة زراعاتهم، إلا أنه اليوم لم يعد وحيداً حيث باتت تنتشر هذه الزراعة شيئاً فشيئاً، وباتت موجودة في معظم الحدائق المنزلية. حسن قشمر (العديسة) مثلاً استغنى عن عدد من اللوزيات الموجودة في حديقته، وزرع مكانها أشجار الأفوكا «لأنها لا تحتاج كثيراً إلى المياه ولا إلى المبيدات، وهي تنتج على مدى خمسة أشهر، ويمكن تأخير قطافها، والاستفادة منها على فترات متباعدة».
معظم المزارعين يشترون شتول الخروب رغم أن ثمنها ارتفع من 3 آلاف ليرة إلى 450 ألفاً
وبحسب سليم مراد، المهندس الزراعي، فإن «هذه الزراعة تصلح اليوم كبديل من زراعة الحمضيات وبديل جزئي من زراعة الموز، ويمكن تخزين ثمارها وشحنها وتصديرها من دون أن تتعرّض لأي ضرر»، لافتاً إلى أن لبنان ينتج من ثمارها حوالي 15000 طن سنوياً، يُستهلك جزء منها في الأسواق الداخلية ويُصدر الجزء الآخر إلى دول الخليج وأوروبا، إضافة إلى روسيا وأوكرانيا. وقد ازداد عدد المنخرطين في زراعتها، وبحسب أحمد فحص، صاحب أحد مشاتل بلدة جبشيت (النبطية) فإن «الطلب على شتول وأشجار الأفوكا ارتفع بشكل كبير، بحيث أصبحت الأكثر مبيعاً بعد أشجار الزيتون والصنوبر». أما ثمن شتلة الأفوكا المتوسطة الحجم، فيزيد على 10 دولارات. صحيح أن سعرها مرتفع بعض الشيء، إلا أنها سريعة الإنتاج «فالشتول الصغيرة قد تحمل الثمار بعد عام أو عامين على زراعتها، وبعد حوالي سبع سنوات يمكن للشجرة الواحدة أن تعطي أكثر من 80 كلغ». وبحسب فحص، فإن «زراعة الأفوكا باتت الأكثر إنتاجاً وفائدة حتى من أشجار الزيتون، كونها سريعة النمو، ولم يثبت تعرضها للأمراض، ويمكن بيعها في الأسواق الداخلية والخارجية بسهولة تامة».