لا تفصل الأستاذة والباحثة في علوم الإعلام والاتصال، الدكتورة نهوند القادري، السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عن قضايا المرأة، إذ لا يمكن برأيها عزل الأخيرة عن محيطها. وتعيدنا إلى نقطة البدايات، مع إغفال الجمعيات المعنية بمناصرة المرأة العمل على هذه القضايا من منطلقات فكرية، ما خلق هوّة بين الناس وهذه القضايا، فظلّت منسلخة عن الواقع.
ومع التقدّم التكنولوجي والاتصالي، واتساع العالم الافتراضي وتشكّل حالات جديدة من المناصرة الإلكترونية منها والميدانية، كما تصفها القادري، بقيت هذه الحركات «بلا نواة صلبة، مبعثرة، أفقية، ظرفية، تفتقد إلى مقومات الاستمرار. فكان من الصعب الوصول إلى الناس العاديين، وتحقيق سبل التوعية لكلّ من الرجل والمرأة. وزاد الطين بلّة، النظام الاقتصادي المتوحش الألترا-ليبرالي، الذي ضرب في العمق مسألة الحقوق بكلّ أشكالها».
تنتقد هنا، أستاذة الإعلام، ذهاب الفكر النسوي إلى مقاربة قضايا الحقوق من منظار خلق شرخ بين الرجل والمرأة، وعزل فئات اجتماعية كالمتدينين، في مجال قانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال، بدل الذهاب إلى حوار رجال الدين، والابتعاد عن دمغهم جميعهم بالسلبية والشيطنة. لذا تظلّ هذه الحركات «عائمة» بحسب القادري، لأن العمل على الصعيد السوسيولوجي لا يعدّ سهلاً. فالحريّ بهذه الجمعيات، كما تقترح، السير على منوال ما قدّمته في السابق في سبيل إقرار قانون «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» (2014)، في سياق عقلية بنائية، عبر الاستعانة بالأوساط الأكاديمية لتأسيس منطلقات مفاهيمية تأخذ في الاعتبار تعقيدات الموضوع المتصلة بالسياقات المحيطة، ما يساعد على تفعيل النقاش، فتتلقّفه الجمعيات، وتتحرّك على هديه وتعلي الصوت، فتستدرج بالتالي وسائل الإعلام لتلقّفه وطرحه للنقاش في حقل الفضاء العام ليصل أخيراً إلى صنّاع القرار.
ولدى السؤال عن تراجع نسبة المناصرة، تلفت القادري إلى «عيشنا بالأصل ضمن عالم عنفي، في مختلف مستوياته، أبرزها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وتحوّل العالم الافتراضي إلى مجرد منصات للاستنكار، دون التمكّن من إيجاد دينامية للنقاش مع المحيط الاجتماعي الأوسع، ودون بذل جهد لتأمين معطيات ومعارف تحفّز على المحاججة العقلانية بعيداً عن الانفعال ومشاعر الشفقة والاستنكار. إلى جانب تغييب الخبراء وأصحاب الاختصاص والأوساط الأكاديمية لصالح النجوم من الناشطين والإعلاميين. عدا عن استباحة الصور الخاصة بالضحايا، وغياب السؤال عن أثرها اللاحق على ذويها». وترى القادري في عرض الصور الصادمة والمآسي «إعاقة للتفكير وتحقيق لتفاعل عاطفي آني، الأمر الذي يحول دون الانتقال إلى الفعل الواقعي».
لكن ماذا عن أثر هذا التراجع على الرأي العام وتفاعله مع قضايا النساء؟ تسخر هنا، القادري، من عبارة «الرأي العام» الذي برأيها أضحى غير موجود، واستبدل بـ«مجموعات تملك أفكاراً مشتركة لا أكثر، سيما على الفضاء الافتراضي الذي يتسّم بالعنف، ويسوده التناحر والإقصاء»، فالكل برأيها «يتكلم على هواه، ولا أحد مستعداً ليسمع الآخر، وغالباً ما يسبق الكلام التفكير». هذه المنصات ترى فيها القادري «تجسيداً لكل ما هو مصنّف ضد المحاججة والتفكير المعمّق، ويزعج البنى والهياكل الهرمية، إذ يجد في الدولة، لا سيما دولة الرعاية، عائقاً أمام صعود الشركات والمنصات الرقمية التي غدت فوق الجميع تملي معاييرها تبعاً لمنطق الربح وجني الثروات، كما حصل في 17 تشرين (2019)، التي اتّسمت بالأفقية، وضعف الاستمرارية، وغياب التنظيم والمشروع، وتنوّع الدوافع، ما أفقدها الكثير من فعاليتها».