كريستيل أبو شقرا، رولا يعقوب، منال عاصي، فاطمة بكور، سارة الأمين... نساء قضين نتيجة العنف الأسري، وبقيت أسماؤهن محفوظة في أذهان اللبنانيين. كان ذلك قبل تسع سنوات تقريباً، شكلت خلالها قضايا العنف الأسري أولوية ملحّة، لنصل اليوم إلى سلسلة جرائم مماثلة، تتفنّن في قتل الضحايا من النساء، مع فارق نسيان أسماء الضحايا! جرائم وعمليات تعنيف، ارتفع منسوبها إبّان الأزمة الاقتصادية قبل 3 سنوات، وازدادت وحشيّتها، ومع ذلك كنّا أمام مشهد اجتماعي وإعلامي وحتى افتراضي، يمكن وصفه بالسلبي، إن لم نقل بالتأقلم مع هذه الجرائم، مكتفياً بعبارات الشجب والغضب التي قد تستمرّ لساعات قليلة على الفضاء الافتراضي وعلى الشاشات التقليدية. فما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من عدم المبالاة؟ وما الأسباب الكامنة وراء تراجع مناصرة قضايا النساء؟ وما هو دور الجمعيات المعنية؟

إنهاك المجتمع
تعود بنا مؤسسة ومديرة منظمة «أبعاد» غيدا عناني إلى تلك المرحلة التي أحدثت فيها جرائم قتل النساء تفاعلاً عالياً لدى الرأي العام اللبناني. مرحلة سادها التجييش الإعلامي، كما تسرد، والتحركات الميدانية، والاعتصامات والوقفات التضامنية، و«شدّ العصب»، إضافة إلى المطالبة بإقرار القوانين الحمائية للنساء والعقابية للجناة. لنصل اليوم إلى حالة «تأقلم» مع قضايا العنف، وسط مجتمع يختبر في الأصل العنف المركّب، وارتفاع نسب الجرائم فيه بمختلف أنواعها، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية. نحن باختصار، كما تصف عناني في حديث مع «الأخبار» أمام «موقف استسلامي، مع سقوط لمنظومة القيم وسحق الكرامة الإنسانية يومياً عبر إذلال اللبناني في لقمة عيشه». هكذا، تختصر عناني، حالة السلبية التي وصل إليها المجتمع اللبناني، «جراء إنهاكه، وانهيار المؤسسات وهياكل الإدارات العامة، وصولاً إلى افتقاد لأدنى أنواع المؤازرة التي قد تحتاجها المرأة المعنّفة من قبل العناصر الأمنية بسبب شحّ الأموال! على سبيل المثال، قد يعيق تحقيق هذه المؤازرة تعطل آلية عسكرية، أو خلوّها من المحروقات، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تهديد منظومة الحماية للمرأة المعنّفة».
نبدو اليوم في حالة تأقلم مع قضايا العنف ضد النساء وسط مجتمع يختبر في الأصل العنف المركّب


لكن، ما دور الجمعيات النسوية هنا، وكيف تواجه هذه التحديات؟ تؤكد عناني بأن «الجمعيات ليس لديها إمكانات مالية»، ومع ذلك، تلفت إلى أن مؤسستها «بقيت تقدّم خدماتها كما السابق ولم تتغير، في مجال المناصرة، وتأمين المراكز المتخصصة لحماية النساء المعنّفات» وسط واقع، تشدّد فيه على «وجوب النظر إلى الحقوق على أنها رزمة واحدة لا تتجزأ، من ضمنها مناصرة قضية العنف الأسري». قضية تطالب عناني بضرورة تصنيفها ضمن الأطر المهدّدة للحياة، كالأوبئة والنزاعات المسلحة» على حدّ قولها.

الأولوية للأحوال الشخصية
من جهتها، لا ترى المسؤولة الإعلامية في منظمة «كفى عنف واستغلال»، زينة الأعور، تراجعاً في مناصرة قضايا النساء، بل تتلمّس في كلّ مرة، كما تقول في حديث مع «الأخبار»، وعياً لدى الناس حول هذه القضايا «من خلال التفاعل إلكترونياً، والتواصل مع المنظمة، لمتابعة قضايا النساء حتى لو لم يكونوا على صلة بالضحايا أو المعنّفات». تقرّ الأعور بسوداوية الواقع اليوم، وتقول إن «اللبناني ضائع في تصنيف الأولويات». وترى الحلّ في «تفعيل القوانين ومعاقبة المعنّفين بشكل سريع». وتلفت إلى أهمية قانون الأحوال الشخصية «الذي يعدّ المشكلة الأكبر. مع تراكم مشكلات أخرى، تتمثل اليوم، باعتكاف القضاة، وتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، كالحضانة، والمشاهدة، والحماية، وسط ارتفاع لجرائم العنف الأسري، والتباطؤ في المحاسبة». وعن تقديمات المنظمة، وما إذا كانت قد أثرت بها الأزمة الاقتصادية، تؤكد الأعور بأن «كفى» مستمرّة في تقديم خدماتها في المجالات القانونية والنفسية والاجتماعية. مع إعطاء الأولوية اليوم إلى الحركة المكوكية تجاه الإعلام والسياسيين لإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، من ثم قد يصار إلى تنظيم تحركات ميدانية».