في أقلّ من 24 ساعة، تحوّل الشاب علي الهادي طليس (مواليد 2003) من «أصغر مخترع» يجري الاحتفاء به على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى «مزوّر» يتمّ شتمه والسخرية منه على المواقع نفسها. بين المديح والإهانة، لم تغب وسائل الإعلام المحلية عن الواجهة. بحثت عن طليس، ووجدته، مقدّمة وجهة نظره التي وجد طليس أنها «جاءت مقتطعة بما يخدم الرواية التي تريد الوسيلة الإعلامية أن تروّج لها». هذا الموقف يتكرّر على مواقع التواصل الاجتماعي، واضعاً بعض الأشخاص تحت الضوء: سواء من خلال الإضاءة المبالغ فيها على عملهم، أو الانتقاد الذي لا يخلو من عنف، لتتلقّف الأمر بعض وسائل الإعلام محاولة احتلال مكان لها ضمن «الترند». طليس جمع كلّ هذه الحالات، ما يستحق التوقف عنده في محاولة لفهمه، ويمكن البدء من رواية طليس نفسه لما حصل.

«ستوري واتسآب»
قبل أشهر قليلة، كان اسم علي الهادي طليس غائباً عن التداول في الداخل. العودة إلى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف عن اعتداده بمجموعة مقابلات محلية، وعربية، وحتى أجنبية، بصفته «أصغر مخترع»، متحدّثاً كذلك عن اختراعات قدّمها في مجالَي الهندسة والإلكترونيات. بقي الأمر عادياً، ولم يثر أيّ ردة فعل غير عادية.
قبل نحو أسبوع، نشر الشاب «ستوري واتسآب» يخبر فيها أنّه تلقى رداً من موسوعة «غينيس» العالمية، بشأن طلبه تسجيل كسره لرقم قياسي في كونه «أصغر مهندس في العالم»، و«أصغر مخترع ينال براءة اختراع عن مشروع متكامل نظرياً وعملياً» و«أصغر دكتور محاضر في الجامعة». وعندها حلت العاصفة، وانقلب المشهد رأساً على عقب، بعدما تحوّل الشاب إلى حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي. في البداية انهالت عليه التهاني والتبريكات، وربط الحدث طبعاً ببلدته البقاعيّة التي سوّق بأنه حطّم صورتها النمطية بهذا الإنجاز.
ساعات قليلة، وتحوّلت التبريكات إلى حملات إلكترونية ساخرة وعنيفة، بعد التحقق من الرسالة الإلكترونية لموسوعة «غينيس»، وتداول عدد من الشهادات التي قيل إنّها مزوّرة. عندها بدأت جولة من جلد الشاب، وبدأت تنهال عليه الشتائم والاتهامات بالتزوير والكذب، ليدخل على الخط الإعلام المحلي في هذه الحملة. ولم يخل الأمر من بعض التضامن من قبل أشخاص رأوا في الحملة الإلكترونية عليه تحاملاً. فبنظرهم طموح طليس الجامح هو ما حمله إلى المبالغة في إمكاناته العلمية.

خطوة ناقصة
لكن كيف عايش علي الهادي طليس، ابن الـ19 عاماً هذا المشهد المتناقض، وكيف واجهه؟
«الأخبار» تواصلت مع طليس، الذي وضع كلّ ما حصل في إطار «سياسي مناطقي» بحت، خاصة من قبل بعض القنوات المحلية، التي بحسب الشاب اقتطعت كلامه لتظهره بمظهر الكاذب والمزوّر. أما بالنسبة إلى الحملة القاسية التي شنّت فيقول الشاب إنّه «تفّهم» الذين قاموا بشتمه لأن «الصورة لم تتوضح لهم»، وأكد أنه واجه الحملة بـ«عقلانية» و«منطق»، و«ثقة بالنفس».
وبالعودة إلى رسالة «غينيس»، يذكر طليس أنّه نشرها في صيغة «ستوري» على «الواتسآب»، وتوجه بعدها إلى الجامعة لإجراء امتحان. هناك فوجئ بأستاذه يقول له: «أنت خارب الدني برا». يعترف طليس بأنه تسرّع في نشر الرسالة، التي لم تصل إلى مرحلة التحقق (verification) من قبل «غينيس». إذاً، هي خطوة ناقصة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحق طليس، وقسمت النشطاء تجاهه، ووضعته في موضع الشك والتزوير بعدما احتُفي به على المنصات عينها.

تأثير مواقع التواصل
يعيد أستاذ الإعلام في «الجامعة اللبنانية» غسان مراد، في حديث مع «الأخبار» هذه الظاهرة إلى ما أتاحته التكنولوجيا للمستخدمين من إمكانات ومنها «التلاعب والتزوير»، وفي حالة طليس أيضاً «تضخيم إمكاناته المعرفية». ويلفت مراد إلى أن النشر الإلكتروني الذي أضحى «مباحاً» للجميع، حوّل الكلام بين المجموعات في المقاهي، إلى مضامين موثّقة ومكتوبة على منصات السوشال ميديا، وبالتالي «ثبّت» هذه المضامين، إلى جانب إمكانية تداولها بشكل مطّرد، ما يسمح بإثارة الجدل من حولها.
لا يخفي مراد تعاطفه مع طليس الذي رأى فيه شاباً طموحاً، إلا أنّ المشكلة برأيه أنّ الأمر التبس على الشاب بين الحلم والواقع، فـ«دمج بين ما يفكر به وبين ما هو موجود على أرض الواقع». وعن الخطاب العنيف الذي لا يتأخر في الظهور عند كلّ خبر أو موقف مثير للجدل، يجلد فيه الناشطون شخصاً محدّداً، كما حصل مع طليس، يلفت مراد إلى أن «العنف موجود أصلاً في مجتمعاتنا، أسهمت الشبكات الاجتماعية في مضاعفته بشكل هائل، سيما مع غياب أيّ رادع قانوني أو أخلاقي هناك»، داعياً إلى تدريس مادة تربية خاصة بالثقافة التكنولوجية ضمن المناهج الدراسية لأنّ الحاجة باتت ملحّة إليها.