شكّل ظهور الكوليرا أخيراً محرّكاً للعمل على إصلاح ما أفسدته عقود من سياسات الإهمال على صعيد البنية التحتية من شبكات صرف صحي، وتعطل محطات التكرير، وريّ المزروعات بمياه الصرف الصحي في أكثر من منطقة. الأمر الأخير هو محط متابعة وزير الزراعة عباس الحاج حسن الذي أكد في حديث مع «الأخبار» أنّ الوزارة تتابع الموضوع باهتمام، وخصوصاً مع انتشار المخاوف من ريّ المزروعات بمياه آسنة، قد تكون ملوّثة بالكوليرا، في المناطق التي سُجّلت فيها إصابات. يقول الحاج حسن إن الوزارة أخذت قبل يومين عيّنات من المزروعات، الحشائش تحديداً، لفحصها والتعامل معها على ضوء النتائج. لا ينكر الوزير بطء الإجراءات، وخصوصاً أن المرض بدأ بالانتشار قبل أكثر من شهر، إلا أنّه يعيد السبب إلى غياب الإمكانات المادية «فأقلّ فحص يكلف 35 دولاراً، ولم نباشر بأخذ العيّنات إلا بعد تأمين التبرّعات وتأليف لجان في جميع المناطق (5 مناطق في عكار، 2 في البقاع الشمالي وفي مناطق في الجنوب) تضم: المحافظين أو من ينوب عنهم، غرفة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة، الصليب الأحمر والجيش اللبناني»، متوقعاً «ظهور نتيجة الفحوصات خلال يومين».
ويؤكد الحاج حسن أن الإعلان عن النتائج سيجري بشفافية مطلقة، مطمئناً المزارعين الذين ستتلف منتوجاتهم إذا ظهر أنها ملوّثة بالكوليرا بالحصول على تعويض «لن نتلف باقة بقدونس بدون تعويض، لذلك يجب أن يكون هناك خطة طوارئ حكومية مع المجتمع الدولي للتعويض على هؤلاء المزارعين».

حلّ مستدام للمياه؟
لكن ماذا بعد صدور النتائج، وتعويض المزارعين مرحلياً؟ هل من حلّ مستدام لكي لا يلجأ المزارعون مستقبلاً إلى الريّ بمياه الصرف الصحي؟
يجيب الحاج حسن أن الرئيس نجيب ميقاتي شكّل لجنة وزارية سمّاها «لجنة المياه»، «وننتظر أن يعود وزير الطاقة من سفره كي تلتئم». ويتوقع أن تكون اللجنة واعدة «لأن مسألة الحلّ تبدأ من العمل على الأسباب المتعلقة بتلوّث المياه، وأهمها حلّ مشكلة توقف المحطات عن التكرير واستكمال شبكات الصرف الصحي...». ويذكّر الحاج حسن بتلوّث نهر الليطاني، الذي «رغم الجهود الجبارة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، لم يتغيّر حاله».
للتعويض على المزارعين الذين قد تتلف مزروعاتهم في حال ثبوت إصابتها بالكوليرا

موضحاً أنّ «النهر ليس الوحيد الذي تُروى منه المزروعات بالمياه الآسنة، بل ثمة مناطق منتشرة في لبنان تسقى فيها المزروعات من مياه آسنة منذ زمن بعيد. ولهذا نعتقد أنه أفضل وقت لتحمل المسؤولية الوطنية، التي لم تتحمّلها الحكومات المتعاقبة، بالتعاون مع الجهات الدولية».

العلاقة مع المنظمات الدولية
يقول الحاج حسن هذا الكلام، معترفاً في المقابل بأنّ التواصل «ليس سلساً» مع الجهات المانحة والمنظمات الدولية «لدينا تحفّظ كبير على أدائها، وبعض المنظمات تعمل في القطاع الزراعي بعيداً عن وزارة الزراعة، وهو ما وضعنا حدّاً لبعضه، لكن التفلّت موجود». ويشير إلى أن الوزارة رفعت الصوت وضغطت على هذه الجهات لتحويل جزء من أموال مشاريع البنى التحتية المتعلقة بالجسور والطرقات لحلّ موضوع المياه ومعالجة المشاكل التي أدت إلى ظهور الكوليرا، مؤكداً الحاجة إلى شراكة حقيقية مع الهيئات المانحة. أما عن التعاون بين الوزارات المعنية لحلّ مشكلة المياه فإنه «ضمن المقدور عليه، لأن التعاون يعني وجود إمكانات للتخطيط والتنفيذ، لذلك الفيصل في هذا الموضوع هو الجهات المانحة، والتشبيك مع الوزارات: الصحة والداخلية والطاقة والزراعة في هذا الإطار ضرورة، حتى يكون صوتنا واحداً ويصار إلى الإسراع في الإجراءات لأن الأزمة أكبر منا جميعاً!».