لم تنطفئ النيران المشتعلة في جبال النفايات في صيدا منذ ليل الاثنين الماضي، نافثة السموم والدخان والروائح النتنة في فضاء المدينة، وآتية على أطنان من النفايات المرمية، بقرار من بلدية صيدا، في أرض مجاورة لمعمل «معالجة» النفايات.وفي حين لم تُعرف أسباب الحريق، لمّح ناشطون بيئيون إلى أنه مفتعل للتخلّص من النفايات التي ملأت المكان، وللتعمية على عجز البلدية (لم تصدر بياناً توضيحياً) في ما خصّ فشل معمل المعالجة الذي تشغّله شركة IBC المملوك من مستثمرين سعوديين.
سيارات الإطفاء لم تغادر المكان، وهي تفرّغ حمولاتها من المياه فوق النفايات المنزلية والعضوية الصلبة المشتعلة من دون طائل، فيما تغطي سحابة بيضاء شوارع المدينة وأحياءها لا سيما القريبة من مكان المكبّ في سينيق، الذي هجره عدد من سكانه. وعلمت «الأخبار» أن دورية من مفرزة حماية الشواطئ عاينت الحريق وكتبت تقريراً رفعته إلى المدّعي العام لاحظت فيه وجود أكثر من بقعة انطلاق للحريق ما يعزّز فرضية أن يكون الحريق مفتعلاً، وقد أمر المدّعي العام بترك الملف مفتوحاً للتوسع في التحقيقات.
وكان وزير البيئة تلقى اتصالات من السكان ناشدوه فيه التدخل، فأجرى بدوره اتصالاً بمدير عام جهاز الدفاع المدني، الذي أفاده بأن الشباب يقومون بما يقدرون عليه رغم ندرة الإمكانات، موضحاً أن الحريق لا يمكن إهماده بالمياه إنما بطمره بالردميات، واعداً الوزير بإجراء الاتصالات بفعاليات المدينة لتأمين ردميات وأتربة وشاحنات لدفن الحريق بها.
وشكا سكان المنطقة من انتشار الغازات والدخان، محمّلين المسؤولية إلى بلدية صيدا التي، وبدل معاقبة أصحاب المعمل عن تقاعسهم في معالجة النفايات وعوضاً عن تقديمهم للمحاكمة بتهمة التسبّب بأضرار بيئية قد تصل حدّ تعريض الناس للموت، قرّرت افتتاح مكب جديد للنفايات بجوار المعمل. ويحمّل الناشطون كلّ فاعليات المدينة المسؤولية، ويذكر أحدهم بأن المعمل كان يحظى برعاية النائبة السابقة بهية الحريري التي لطالما دافعت عنه متسترة على عيوبه مثل انقلاب على بنود العقد وحرمان صيدا من معالجة نفاياتها (200 طن يومياً) مجاناً كونها صاحبة الأرض، وإجبار البلدية على دفع 95 دولاراً عن كلّ طن نفايات من صيدا كبدل معالجة، وتغطية المخالفات المتعلقة باستقبال المعمل نفايات تفوق طاقته ومن مناطق غير منصوص عنها في عقد إنشائه.
ومن المعروف أن المعمل متوقف عن العمل كلياً منذ ما يزيد على السبعة أشهر، وهو تحوّل إلى مزبلة بكل ما للكلمة من معنى. ويرى مراقبون أن التعطيل مقصود وهدفه الضغط على البلدية والفعاليات للاستيلاء على العقار المشاد فوقه المعمل ونقل ملكيته وتسجيله باسم مالكي شركة IBC، وهو ما طعن به عدد من الناشطين الصيداويين أمام مجلس شورى الدولة قبل سنوات، من دون صدور أي قرار حتى الساعة.
وكانت لجنة البيئة في «صيدا تواجه»، وهي مبادرة متعثّرة أطلقها النائب أسامة سعد قبل أشهر، وضمّ إليها النائب عبد الرحمن البزري والبلدية والنائبة السابقة بهية الحريري والجماعة الإسلامية وتجمّع المؤسسات الأهلية، أصدرت بياناً أعربت فيه عن شكوكها بافتعال الحريق، وطالبت القوى الأمنية والقضاء بوضع اليد على أسباب الحريق الحقيقية لتبني على الشيء مقتضاه. وكان وفد من لجنة البيئة قد زار قبل أيام، برفقة وفد من وزارة البيئة، المعمل المتعطل ونقلوا عن مديره بأن المعمل على شفير الإقفال التام خلال مهلة أقصاها شهرين إذا لم تدفع الدولة مستحقاته المالية.
وفيما ينتظر المراقبون صدور نتيجة الكشف الذي أجراه وفد من خبراء وزارة البيئة على المعمل، شكك أحد الناشطين البيئيين بما يُشاع عن نزاع بين البلدية وبين إدارة المعمل، كاشفاً أن محامي البلدية هو نفسه محامي المعمل، وهو نفسه محامي الحريري الوصية على المعمل والبلدية... متسائلاً؟عن أي نزاع يتحدثون؟».