بخطى ثابتة، يسير القطاع الاستشفائي نحو الانهيار. 120 مستشفى خاصاً و33 مستشفى حكومياً تفتقد لأدنى مقوّمات الصمود للاستمرار بتأمين الخدمات الصحية للمرضى. فاليوم، لم تعد الصورة واضحة فيما استمرارية هذا القطاع في ظلّ الأزمة التي تبدو بلا نهاية. وقد انعكست هذه الضبابية في اتخاذ بعض المستشفيات القرار في تقليص أقسامها من جهة وفي «تراجع مستوى الخدمات الاستشفائية إلى مستويات لم تكن معهودة من قبل»، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون. ويردّ هارون هذا التراجع إلى وجود مشكلتين أساسيتين: «الأولى آنيّة وتتعلق بتعطّل معدّات طبيّة وبقائها على تلك الحالة لأشهر بسبب أن كلفة إصلاحها باهظة وبالدولار، فيما هناك صعوبة في تأمين الكاش». أمّا المشكلة الثانية، والتي لا تقلّ خطورة عن الأولى بحسب هارون، فتكمن في «أن المستشفيات تستهلك المعدّات الموجودة لديها، ونظراً إلى الصعوبات الاقتصادية لن تكون قادرة على استبدالها بمعدات جديدة في المستقبل، أي ستضطرّ إلى استخدام معدّاتها القديمة».وقد انعكس ذلك انخفاضاً في نسبة استيراد هذه المستلزمات، تقول نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية، سلمى عاصي. ويعود سبب تراجع استهلاك هذه المعدات إلى «أن المستشفيات لم تعد تشتري الكثير من المعدات، كما أن المريض تراجع عن استهلاكها بسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف الطبابة». أما الأمر الثاني، فهو أن «ثمنها بات يُدفع بالفريش دولار لكونها لم تعد مدعومة من مصرف لبنان، باستثناء مستلزمات غسيل الكلى وأمراض القلب»، بحسب عاصي.
لا تختلف الحال في المستشفيات الخاصة عما هي عليه في المستشفيات الحكومية، إلا أن الوضع في الأخيرة لجهة التجهيزات وإصلاح المعدّات يبدو أفضل إلى حدّ ما. من هنا، يرفض رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحّة، هشام فوّاز. وصف الوضع في القطاع بالمُنهار، ويفضل بدلاً من ذلك القول بأنه «أمام تحديات كبيرة»، تفرض على الوزارة العمل على مساعدة هذه المستشفيات. وأولى خطوات هذه المساعدة، بحسب فواز، تمكينها من إصلاح المعدات فور تعطّلها «من خلال الاستعانة بقرض البنك الدولي أو الهبات التي تصل إليها». إلى ذلك، لا تزال هذه المستشفيات تستفيد من استخدام التجهيزات التي تأمّنت لها، تزامناً مع انتشار وباء كورونا من خلال تمويل من منظّمات دولية على رأسها البنك الدولي، والتي شملت أقسام العناية الفائقة (أسرّة، أجهزة تنفّس...).
إلى ذلك، يكشف فوّاز لـ«الأخبار» عن «قرض بقيمة 30 مليون دولار، قدّمه البنك الإسلامي للوزارة من أجل شراء المعدات الطبية للمستشفيات الحكومية حصراً، وقد أصبح التنفيذ في المراحل الأخيرة على أن يستفاد منه خلال الأشهر القليلة المقبلة». وأكّد فواز أن توزيع هذه المعدات «سيكون وفق آليّة تضمن توافر الأساسيّة منها في جميع المحافظات بشكل متوازن وعادل، تفادياً لاضطرار المريض إلى قطع مسافات طويلة لإجراء أي فحوص طبية».
ارتفع سعر عبوة البنج إلى 6 ملايين ليرة بعدما كانت بـ230 ألف ليرة


وبانتظار أن يصبح ذلك واقعاً، يبقى الوضع في المستشفيات على ما هو عليه، وخصوصاً في ما يتعلق بالنقص في المعدات الذي يطاول معظم هذه المؤسسات، عامة وخاصة، وهذا ما ينعكس على حال المرضى الذين ينتقلون من مستشفى إلى آخر للحصول على الخدمة الطبية. وفي هذا السياق، يعتبر فواز أن الأمر لا يزال ضمن حدود الطبيعي، عازياً السبب هنا إلى «تفاوت تجهيزات المستشفيات، إذ بينها ما لا يتضمّن جميع أنواع المعدات أو الأقسام أو التخصّصات الطبيّة».

الأزمة الممتدّة إلى الدواء والرواتب
ليست المعدات هي وحدها ما يرهق هذا القطاع، ويمكن أن يدخل هنا الدواء والمحروقات أيضاً كجزء من الأزمة. وفي هذا الإطار، تشير المصادر في أحد المستشفيات الخاصة إلى أن «هناك أدوية أساسيّة لا تزال غير متوافرة، كما أن التكاليف الباهظة التي يتكبّدها المستشفى لتأمين الكهرباء تعيق إمكاناته لتخزين كميات الأدوية نفسها التي كانت تُخّزن سابقاً». أضف إلى ذلك أن «أسعار بعض الأدوية بات يفوق قدرة المستشفيات على شراء كميات منه لتفادي انقطاعه، ومنها مثلاً على سبيل المثال عبوة البنج التي كانت تبلغ 230 ألف ليرة واليوم وصل سعرها إلى 6 ملايين ليرة».
يضاف إلى تلك اللائحة عامل آخر لا يقلّ أهمية يسهم في تراجع الخدمات، وهو تدنّي قيمة الرواتب التي دفعت بالكثير من الأطباء والممرضين والعاملين في هذا القطاع إلى الهجرة. وقد تسبّب النقص في أعداد هؤلاء بـ«تأجيل معاينات أو عمليات جراحية إلى مواعيد أخرى تتناسب مع دوامات الأطباء والمختصين» تضيف المصادر. وفي الإطار، يشرح هارون أن «النقص الأساسي اليوم هو في أعداد الأطباء، ولا سيما أطباء الكلى وجراحة الشرايين وجراحة الأعصاب والأمراض الجرثومية وغيرها، ما يدفع الطبيب إلى المداومة في مستشفيات عدّة».