قبل نحو عامين، «قامت القيامة» على زوجة رئيس الحكومة السابق حسان دياب نوّار المولوي لأنها «تجرّأت» ودعت اللبنانيات في حديث إذاعي إلى العمل في المنازل، مثل أي وظيفة يمكن أن تندرج في قانون العمل «فيحصلن على راتب شهري وضمان صحي، ومن غير الضروري أن يشمل العمل منامة في منزل صاحب العمل، وهكذا لا تخرج أموالنا إلى الخارج». اليوم، لم يعد الحديث عن عمالة منزلية لبنانية أمراً مستنكراً، بدليل أن صفحات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي تطلب عاملات لبنانيات وسوريات للعمل في الخدمة المنزلية من دون أن تتعرّض لهجوم «عنيف».
(أرشيف ــ مروان طحطح)

«تهافت» على عاملات لبنانيات
جولة في هذه الصفحات تكشف حجم الطلب الكبير على عاملات لبنانيات في المنازل للتنظيف وأحيانا كثيرة معطوفة على رعاية أطفال، مسنّين، مقعدين، معوّقين. من الشروط أيضاً أن تكون تجيد الطبخ، بعضها مع منامة وبعضها من دونها. في حالات نادرة، يكون الطالب محظوظاً فيأتيه تعليق: «أنا مهتمة»، «أنا موافقة». لكن الأسماء الوهمية التي يأتي الردّ عن طريقها للاستفسار عن التفاصيل تؤكد أن ممارسة هذا العمل لا تزال «سرية» تماماً كما يحصل على أرض الواقع، إذ طلبت سيدة من صاحبة المنزل ألا تخبر أحداً عنها إذا سألوها عن عاملة، تريد أن تعمل «ولا من شاف ولا مين دري». وتكشف طلبات العمل استغلال السيدات والفتيات في أعمال ذات دوامات طويلة من دون استراحة أو مع منامة من دون إجازة. أما الأجر فيتراوح بين 3 ملايين و7 ملايين ليرة، وهناك من يعرض 150$ إلى 200$. أحد العروض كتب للتعويض عن الراتب البخس «المعاملة جيدة جداً»!

الطلب من دون عرض
ما سبق قوله لا يوصل إلى نتيجة أننا نمرّ ببدايات تحوّل إلى عمالة منزلية محلية. يجزم علي الأمين، عضو مجلس نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام في لبنان أن «الطلب لا يقابله عرض أبداً»، مؤكدا أنه «إذا وجدت اليد العاملة، فأنا مستعد لاستقطابها». صحيح أن العمالة المحلية، وخاصة الجزئية اليومية أو عالساعة، لا تحتاج إلى وسيط كالمكتب وتحصل بشكل سري بين الطرفين أحياناً، إلا أن الأمين يبدو متأكداً من غياب العرض في السوق لأنه «يومياً يتصلون بنا ويسألوننا عن عمل يومي أو عالساعة، فنجيب أننا لا نعمل بهذه الطريقة بل بعقود عمل». وعن العمل غير الشرعي الذي تمارسه عاملات أجنبيات عالساعة فهو يراه «ظاهرة تثقل كاهل المكاتب».

لماذا لا يعملن؟
ظنّ البعض أن الفقر والعوز سيفتحان الطريق أمام العمل في الخدمة المنزلية، لدرجة أنه «تصل إلى مكاتب الاستقدام طلبات بين الحين والآخر لتأمين سيدة لبنانية للعمل في الخدمة المنزلية في الخارج مقابل مبالغ مالية عالية»، بحسب الأمين، لكن «طبعاً هذا مستحيل». لماذا لا ترضى اللبنانية والسورية والفلسطينية بما ترضاه الأجنبيات الأسيويات والأفريقيات؟ تجيب أستاذة الأنتروبولوجيا في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية مهى كيال عن ذلك بالقول: «الموروثات الثقافية تمنع الوالد من تشغيل ابنته في المنازل خوفاً من ألّا يرضى أحد الزواج بها، أو حتى أن يقال للزوج إنه يشغّل زوجته عند الناس». هكذا ينظرون «بدونيّة» إلى العمل في الخدمة المنزلية. إلى ذلك، لا تصمد عاملات محليات في الخدمة المنزلية، أصحاب العمل يصرفونهن نتيجة تقارب اللغة والثقافة بينهما، ما يجدونه تعدياً على خصوصية المنازل.

العمل المنزلي في القانون
حاجة السوق إلى يد عاملة في الخدمة المنزلية وحاجة اللبنانيين واللبنانيات إلى فرص عمل كانتا مناسبة لإعادة طرح العمالة المحلية في الخدمة المنزلية جدياً. لذلك أدرجت وزارة العمل في مشروع تعديل قانون العمل، الذي أخّرت ظروف البلد إقراره وينتظر توقيع النواب، اقتراح تعديل المادة السابعة منه لضم الأعمال المستثناة كالعمل المنزلي والعمل في القطاع الزراعي إلى أحكامه. «هذا يؤمن حماية قانونية وحوافز قد تشجع اللبنانيين على العمل في الخدمة المنزلية، وهذا ما نتمناه في وزارة العمل، لأن هدفنا دائماً تشغيل اليد العاملة المحلية وعدم نقل العملة الأجنبية إلى الخارج»، كما تقول المديرة العامة للوزارة بالإنابة مارلينا عطالله، التي تطلب من وسائل الإعلام «تشجيع الناس على ممارسة هذا العمل والتخلّي عن المعتقدات الثقافية الخاطئة التي تحطّ من قيمته».