"لا أمل في الاستمرار، فما جاء في الامتحانات لا أجده بين أوراقي" يقول محمد (15 عاماً) لاجئ فلسطيني، وتلميذ في الصف التاسع الأساسي/ البريفيه. هو واحد من مئات الطلاب الذين يعيدون دراسة المنهج لإجراء امتحانات الدورة الثانية المنتظر تحديد موعدها بعد نحو أسبوعين، إذ يتقدّم أكثر من نصف طلاب "البريفيه" في مدارس "الأونروا" إلى امتحانات الدورة الثانية بعدما بلغت نسبة الرسوب 51% فيما تجاوز معدّل النجاح العام في لبنان الـ79%. تعكس هذه النسبة هشاشة النظام التعليمي في المخيمات. فمنذ انتشار جائحة "كورونا"، وما رافقها من أزمات اقتصادية واجتماعية، يواجه القطاع التعليمي بشكل عام تحدّيات كثيرة أهمها انقطاع الكهرباء، والإنترنت، وسوء خدمة الاتصالات، وارتفاع الكلفة، وغلاء أسعار الكتب والأدوات المدرسية. أما في المخيّمات فتأتي أزمة وكالة الغوث "الأونروا" لتكون إضافة إلى هذا المشهد المهترئ من التعليم.

مجموعات تقوية
لا تعترف الوكالة بوجود أزمة خاصة بها، بل تعيد السبب إلى الظروف الاقتصادية وجائحة "كورونا" من جهة، وتقصير الطلاب والأهل من جهة ثانية. هذا ما يقوله المسؤول الإعلامي في "الأونروا"، فادي الطيّار مشيراً إلى "عدم إلتزام بعض الطلاب بالتعلّم الذاتي المفترض أثناء تواجدهم في المنزل".
ويلفت الطّيار إلى أن "الوكالة بدأت منذ صدور النتائج بتحليل درجات الطلاب لكلّ مادة ووضع الطلاب في مجموعات بناءً على نتائج هذا التحليل بالإضافة إلى فتح المدارس للطلاب، التواصل مع أولياء الأمور والطلاب لتشجيعهم على إجراء امتحاناتهم للدورة الثانية".
هذه الحلول يرى أكاديميون أنّها شكلية ولن تؤدي إلى تكثيف المعلومات للطلاب وتحضيرهم للامتحانات. في حين بدأ الأهالي باللجوء إلى مراكز اللجان الشعبية في المخيّمات ومراكز المجتمع المدني التي تقدّم دعماً أكاديمياً للطلاب.
ما يزيد الأمور سوءاً هو تزامن هذه النتائج مع قرار "الأونروا" بتوقيف مشروع الدعم الدراسي في الشهر الجاري، والذي بدأ عام 2008. هذا القرار رفضه اتحاد المعلمين في لبنان من خلال تنفيذه اعتصاماً لعدة أيام أمام مركز الوكالة في بيروت.

سياسة ارتجالية للوكالة
في المقابل، تحمّل المؤسسات المدنية والبحثية وكالة "الأونروا" ما آلت إليه النتائج في السنوات الأخيرة، بسبب "سياسات تعليمية انفعالية وارتجالية" كما يعبّر رئيس مؤسسة شاهد الفلسطينية، دكتور محمود حنفي.
يعيد حنفي، في حديثه لـ"الأخبار"، أحد أهم أسباب فشل النظام التعليمي الذي تعتمده "الأونروا" إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الوكالة التي جعلتها "تنظر إلى الطلاب بشكل كمّي لا نوعيّ، ما يوفر لها نوعاً من الاستمرار المالي". ويرى أن سياسة الترفيع الآلي وخفض نسبة الرسوب اللذين اعتمدتهما الوكالة منذ عام 2017 تسبّبا بعادات دراسية سيئة لدى الطلاب. هذان الأمران توصلت إليهما دراسة نشرتها "شاهد" ترصد من خلالها الأسباب التراكمية التي أثّرت على المستوى العلمي للطلاب الفلسطينيين في مدارس "الأونروا"، وتصوّب باتجاه البحث عن وسائل وآليات للخروج من "الأزمة التربوية".
تعتبر الدراسة أن أحد الأسباب المباشرة لهذه النتيجة هو سياسة التقييم الجديدة لمستوى الطالب والتي تعتمد بشكل كبير على الحضور والمشاركة اليومية، ما جعل النتائج غير واقعية، وأصبح تقييم الطالب غير دقيق مع تقليص الدوام إلى 50% عن السنوات السابقة.
وعطفاً على تحميل الطلاب المسؤولية من قبل الوكالة لعدم التزامهم بالدراسة المنزلية، ترى الدراسة أن السبب هو "عدم طباعة كرّاسات مساعدة من قبل إدارة التعليم لإلزام الطلاب بتطبيقات عملية خلال وجودهم في المنازل تمكّن المدرسين من قياس تحصيلهم العلمي ومعالجة النقص فيها". ويضيف حنفي أن الوكالة أشغلت المعلمين بقضايا وتفاصيل إدارية لا تصبّ في جوهر عملهم كمدرسين، ما أدى إلى استنزاف الطاقات.
وفي ضوء تراكم الأسباب التي أدّت إلى تراجع نسبة النجاح في الشهادة المتوسطة بعدما كانت حوالى 70% في عام 2018، دعت "شاهد" الوكالة إلى التعاون مع المنظمات الأهلية لدراسة الوضع الحقيقي وبناء خطة عملية للنهوض بالواقع التعليمي. وأوصت بوقف تحويل الأساتذة من ذوي الكفاءات والخبرات الطويلة إلى وظائف إدارية، إلى جانب اتباع نظام تقييم شهري يضع المستوى الحقيقي للطلاب، وإعادة النظر في سياسات "الأونروا" وإحالة المسؤولين فيها إلى المساءلة الإدارية. وناشدت المؤسسة عدم المسّ ببرنامج الدعم العلمي والعمل على تطويره ليشمل المراحل المختلفة من التعليم لسدّ الفجوات العلمية لدى الطالب.